حتى أولئك الذين يمكن أن يشككوا في المكانة المرموقة، التي يحتلها "فردريك باستيا" بوصفه منظراً إقتصادياً، يتفقون على أنه إعلامي عبقري، إذ يصفه "جوزيف شومبيتر" بأنه "أذكى وألمع صحافي إقتصادي في التاريخ". وحيث أن الهدف هو كتابة مقدمة للمجلد الحالي؛ الذي يحتوي على عدد من أنجح كتاباته التي تستهدف عامة القراء؛ أظن أنه من الأفضل أن نقبل...
قراءة الكل
حتى أولئك الذين يمكن أن يشككوا في المكانة المرموقة، التي يحتلها "فردريك باستيا" بوصفه منظراً إقتصادياً، يتفقون على أنه إعلامي عبقري، إذ يصفه "جوزيف شومبيتر" بأنه "أذكى وألمع صحافي إقتصادي في التاريخ". وحيث أن الهدف هو كتابة مقدمة للمجلد الحالي؛ الذي يحتوي على عدد من أنجح كتاباته التي تستهدف عامة القراء؛ أظن أنه من الأفضل أن نقبل بهذا الوصف دون تعديل؛ بل من الممكن أن تقبل بالتقييم القاسي الذي أطلقه "شومبيتر" على "باستيا" حين وصفه بأنه "لم يكن منظراً"؛ دون أن يلحق الضرر بمكانته بصورة كبيرة، صحيح أنه حين حاول، عند نهاية حياته المهنية بإعتباره كاتب، والتي كانت قصيرة للغاية، أن يعطي تبريراً نظرياً لمفاهيمه العامة، فإنه لم يحظ برضا المختصين. من المؤكد أنه معجزة كانت ستحصل لو أن رجلاً حاول، بعد خمس سنوات فقط من عمله كاتباً منتظماً حول الشؤون العامة، وفي ظل مرض مميت كان يُطبق عليه بسرعة، لو أنه حاول، وفي أشهر قليلة، الدفاع عن الأفكار التي كان يختلف فيها عن المذهب المقبول، وحقق نجاحاً تاماً في ذلك، مع ذلك يجوز لنا أن نتساءل إن كانت وفاته المبكرة في سن التاسعة والأربعين وحدها حالت دون تحقيق ذلك، فكتاباته الهجومية المثيرة للجدل، والتي أصبحت بالتالي أهم الكتابات التي خلفها، تثبت، بالطبع، أنه كان يتمتع ببصيرة حول أهمية الأمور، وموهبة تتسم بقدرته على سبر الموضوع، كانتا تعطيانه مواد كثيرة لتقديم إسهامات حقيقية في العالم.