اليهودية دين سماوي دعا إلى الوحدانية أيضاً بل امتاز عن سائر الأديان والمعتقدات المعاصرة له والتي سبقته في ذلك، وقد امتلأت التوراة بالكلمات المثبتة لهذه الحقيقة. ولكن النصوص الدينية والكتب التاريخية تؤكد أن اليهود لم يتمكنوا أن يؤمنوا بذلك الإله المتعالي عن المادة الذي دعاهم أنبياؤهم للإيمان به، فنراهم تارة يطلبون من نبيهم موسى ع...
قراءة الكل
اليهودية دين سماوي دعا إلى الوحدانية أيضاً بل امتاز عن سائر الأديان والمعتقدات المعاصرة له والتي سبقته في ذلك، وقد امتلأت التوراة بالكلمات المثبتة لهذه الحقيقة. ولكن النصوص الدينية والكتب التاريخية تؤكد أن اليهود لم يتمكنوا أن يؤمنوا بذلك الإله المتعالي عن المادة الذي دعاهم أنبياؤهم للإيمان به، فنراهم تارة يطلبون من نبيهم موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلهاً جسداً يعبدونه أسوة بغيرهم من الشعوب المختلفة، وأخرى يصرون عليه في طلب رؤية الله جهراً عسى أن يشبعوا فضولهم في معرفة خالقهم كما يعرفون الأشياء بحواسهم حتى أخذتهم الصاعقة بسفههم. ولكنهم مع ذلك لم يتغير فيهم شيء.وثالثة راحوا يزعمون أن العزيز ابن الله ظناً منهم أن الله تعالى مثلهم يلد ويتناسل. ثم أخذ منهم الانحراف مأخذهم حتى امتلأت توراتهم التي حرفوها بما يصور الإله بأنه بشر أو على صورة البشر يذهب ويجيء، وينزل إلى الأرض، ليصارع النبي ويركب على حمار ويصيب ويخطئ بل ويندم على أفعاله حتى أسفّوا في ذلك أدنى درجات الإسفاف.صحيح أن الإنسان يميل بطبعه إلى فهم الأمور على الطريقة التي يعيش هو عليها فيصور الأشياء كما يناسبه، ويضفي على المجردات طابعاً حسياً، ويخاطب الجمادات وكأنها تشعر وتتكلم، ولكن الإنسان، مؤهل بما أنعم الله عليه من عقل على التدبير أن يميز بين الأشياء ويعرف حقها من باطلها، فلهذا جاء جماعة من أرباب الفكر والفلاسفة اليهود وعلماء الكلام اليهودي فرأوا أن ما في كتبهم من توراة، ومشنا، وتلمود لا يتناسب مع المعارف العقلية التي توصل إليها الفكر البشري في مجال ما وراء الطبيعة، كما أنه لا يتلاءم مع الفهم الفلسفي للأمور المجردة، فكان لا بد لهم من إعمال العقل في إيجاد مخارج تأويلية للنصوص التي لا تتلاءم مع هذه المعارف والتي تظهر متناقضة مع العقل وعلى رأس هذه الأمور الذات الإلهية، والصفات، والأفعال التي ينسبونها له تعالى، فظهر جماعة من الفلاسفة اليهود وعلماء الكلام اليهودي من أمثال موسى بن ميمون (1135-1204م)، وسبينوزا (1632-1677م)، فركزوا اهتماماتهم على إعادة طرح الفكر اليهودي بطريقة عقلية حديثة، وأدلوا ما ظاهره خلاف ذلك.وعلم الكلام اليهودي ومقارنته مع الكلام الإسلامي، وتناوله بالبحث، والتحليل، والنقد، والتفنيد هو الموضوع الذي تدور حوله الدراسة في هذا الكتاب، وهي تمثل محاولة جادة من الشيخ علي بو سلمان للتوغل في المعتقدات اليهودية والكشف عن أسسها ومرتكزاتها؛ بغية الوصول إلى فهم أدق لهذه المعتقدات؛ وذلك كخطوة هامة على طريق المعرفة الدينية القائمة على أسس البحث العلمي الأكاديمي.والغاية من هذه الدراسة هو الكشف عن المعتقدات اليهودية في أصول الدين، لمقارنتها بأصول الدين الإسلامي في عملية حوار بين الشرائع السماوية. والكتاب واحد في سلسلة عالم الفلسفة والعرفان تلقي الضوء على مجموعة من المواضيع والمباحث في عالم الفلسفة والعرفان، وهي محاولة لإعادة هذه الروح على أن تثمر ما هو جديد من العلوم القديمة أو الحديثة.