"تاريخ الرقة" هو من تأليف الإمام الحافظ "أبي علي محمد بن سعيد بن عبد الرحمن ابن إبراهيم بن عيسى مرزوق القشيري"، لم يرد في المراجع شيئاً عن تاريخ مولده ويمكن أن تكون على وجه التقريب في حدود سنة 250هـ، لم يخرج من الجزئرة في طلب العلم، واقتصر ذلك على مدينتي حران والرقة بدليل عدم ترجمة الخطيب البغدادي له في تاريخ بغداد، ولا ابن عساك...
قراءة الكل
"تاريخ الرقة" هو من تأليف الإمام الحافظ "أبي علي محمد بن سعيد بن عبد الرحمن ابن إبراهيم بن عيسى مرزوق القشيري"، لم يرد في المراجع شيئاً عن تاريخ مولده ويمكن أن تكون على وجه التقريب في حدود سنة 250هـ، لم يخرج من الجزئرة في طلب العلم، واقتصر ذلك على مدينتي حران والرقة بدليل عدم ترجمة الخطيب البغدادي له في تاريخ بغداد، ولا ابن عساكر في تاريخ دمشق وأن عدم خروجه من الجزيرة في طلب العلم يضع الباحث أمام مؤشر حقيقي إلى أن الجزيرة كانت تعج بالعلماء والمدارس في كل فن، بدليل هذا الإكتفاء الذاتي الذي أمدّ المؤلف بما يحتاج إليه من مواد علمية أصيلة؛ فحفظ كتاب الله عزّ وجلّ وأكثر من الحديث النبوي الشريف، حتى غدا إماماً، فاضلاً، مكثراً من الحديث، "كما يقول السمعاني"، وإستطاع بفضل ذلك أن يدلي بأحكامه من الجرح والتعديل، وتضلع في علم التاريخ، حتى أصبح محدث الرقة ومؤرخها، "كما يقول الذهبي"...ويبدو أنه كان من أولئك العلماء المحدثين الذين لا يقفون في حدود مذهب من مذاهب الفقهية المعروفة، بل كان عالماً مجتهداً بذاته، بدليل عدم وجود ترجمة له في كتب رجال المذاهب، كان من الألصق به أن يكون من أتباع مذهب الإمام "الجليل أحمد بن حنبل"، لأن شيخه عبد الملك الميمرني كان أكثر تلاميذ الإمام ملازمة له، وبقي مستقل الفكر مجتهداً، يطبق ما يراه صحيحاً دون تقيد بمذهب معين، ويظهر كذلك أنه عاش حياة هادئة خالية من المشاكل والمنفصات، بعيداً عن كل ما يمت بصلة إلى السلطة والسياسة وأبواب الخلفاء؛ لهذا تفرغ إلى العلم ينشره متخذاً من الرقة قاعدة له، فهي ليست، في نظره أقل من بغداد أو حلب أو دمشق من حيث المكانة العلمية، فازدحم عليه طلبة العلم الشريف يتلقون دوره وحكمه، ويباهون بالتلمذة عليه حتى قال السمعاني: "وكان ابن المقرئ إذا روى عنه قال: حدثنا أبو عليّ الرقّي بالرقة، الحافظ الجليل، الفاضل، الثقة، الأمين".أما عن مؤلفاته، فلم يذكر له مترجموه غير كتابه "تاريخ الرقة"، إلا أنه يمكن ردّ ذلك بدليل وجود بعض النقول عن طريقه في تاريخ دمشق وكامل ابن عديّ ليست موجودة في "تاريخ الرقة"، ومهما يكن من أمر، فإنه ولو لم يفعل لكفاه فخراً أنه مؤلف "تاريخ الرقة" فحسب؛ حدث بكتابه في سنة 334، كما في مقدمة "تاريخ الرقة"، وكما ذكر مترجموه، وانقطعنا بعد ذلك أخباره، وقد جاوز الثمانين عمره، كما قال الذهبي الذي يتحقق من وفاته والتي كانت 334هـ، ولــ"تاريخ الرقة" نسخة وحيدة جليلة، لا أخت لها في العالم كتبت في القاهرة سنة 631هـ، ثم انتقل بها ناسخها ومالكها محمد ابن داود بن ياقوت الصارمي إلى دمشق، فكانت عدة في خزائن المدرسة العربية بنسخ قاسيون، حتى قيض لها أن تنتقل إلى المكتبة الظاهرية فكانت من أثمن كنوزها، ثم استقرت أخيراً في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق تحت الرقم 3771.وقد طال هذا المخطوط ما طاله من عوادي الزن فكان أن انبرى المحقق "إبراهيم صالح" إلى خدمته، سابراً أغوار النص سنداً كان أو متزناً، بالإعتماد على المصادر التي نقلت عن "تاريخ الرقة" مباشرة، وفي مقدمتها تاريخ دمشق لابن عساكر، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وتاريخ حلب لابن العديم، وتهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني، وفي حال عجز المصادر عن تقويم ما أعوجّ من الأسانيد والأخبار، كان يلجأ المحقق إلى الإجتهاد والتقدير، معتمداً على بقايا الحروف والكلمات، مع مداومة المعنى وفق النص، فإستطاع بهذا الجهد الرائع إعادة الكتاب إلى مكانته وأصالته، ليغني بذلك المرجع مكتبة التراث الإسلامي بـ"تاريخ الرقة" ومن نزلها من أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم والتابعين والفقهاء والمحدثين.