لقد كان الزمان والمكان أهم ماحدد إتجاهات الشعر الجاهلي، كما يقول محمد زكي العشماوي، وهو بذلك يضع يده على قضية جوهرية، هي قضية " الباعث " الذي سكن الجاهلية وكان وراء شعره. ولقد ظهر هذا الباعث بشكل واضح جلي أحياناً، وبشكل خفي يتطلب التأمل والتدقيق أحياناً أخرى. والدراسة في " الباعث " تعني دراسة القصيدة الجاهلية بمختلف موضوعاتها، ذ...
قراءة الكل
لقد كان الزمان والمكان أهم ماحدد إتجاهات الشعر الجاهلي، كما يقول محمد زكي العشماوي، وهو بذلك يضع يده على قضية جوهرية، هي قضية " الباعث " الذي سكن الجاهلية وكان وراء شعره. ولقد ظهر هذا الباعث بشكل واضح جلي أحياناً، وبشكل خفي يتطلب التأمل والتدقيق أحياناً أخرى. والدراسة في " الباعث " تعني دراسة القصيدة الجاهلية بمختلف موضوعاتها، ذلك أن هذا الباعث سيفرض نفسه بشكل مباشر أو غير مباشر على مختلف الموضوعات. ولهذا كان هذا البحث محاولة لوضع الشعر الجاهلي ضمن إطاره الزمني العام. إذ لا يدعي لنفسه القدرة على معالجة هذا الموضوع بالتفصيل لإنحلاله في القصيدة الجاهلية بشكل عام. وقد ظهرت أبحاث ودراسات مختلفة تعرضت لهذا الموضوع، من مثل دراسات كمال أبو ديب، ويوسف اليوسف، ومصطفى ناصف، ومطاع صفدي، ومحمد زكي العشماوي. كما إستقل بحث بهذا الموضوع لعبد الإله الصائغ، وهو " الزمن عند الشعراء العرب قبل الإسلام "، ويهمني، هنا، الإشارة إلى إختلاف معالجة الموضوع هنا عما هو عليه عند عبد الإله الصائغ، فقد أفرد الباحث، على سبيل المثال، فصلاً ضخماً تحدث فيه عن الأوقات كالفجر والظهر والعشاء... وهو، عموماً، دراسة وصفية للموضوع. وقد جاء البحث في صورته النهائية، من مدخل، يتعرض لمفهوم الزمن لغوياً وفلسفياً، ولمفهومه في الدراسة، ومن أربعة فصول: كان الفصل الأول محاولة لإستكناه تصور الجاهلين للزمن، في ضوء أنماط حياتهم المختلفة، كالحياة الدينية والحروب، كما حاول هذا الفصل الكشف عن دور البيئة في تشكيل مفهوم الزمن. أما الفصل الثاني " إحساس الشاعر بالزمن " فكان دراسة لصفات الزمن. كما أحس بها الجاهلي. ولما اسميته بتحولات الزمن. وهي ثلاثة: الأطلال، والشيب، والموت. وفي الفصل نفسه، تحدثت عن الإستجابة المباشرة للشعراء تجاه الإحساس بالزمن. وفي الفصل الثالث تحدثت عن علاقة الزمن بموضوعات القصيدة المختلفة، وقد جعلت هذه الموضوعات في أقسام رئيسية ثلاثة هي الإنسان والحيوان والطبيعة. وفي القسم الأول تحدثت عن علاقة الزمن بالمرأة والممدوح والقبيلة، أما في الثاني فقد تناولت علاقة الزمن بالثور والحمار الوحشيين، وبالبقرة الوحشية كذلك، والناقة والفرس. وإختص القسم الثالث بالليل والمطر. وفي الفصل الرابع حاولت إظهار أثر الزمن في بناء القصيدة، وكان ذلك من خلال أربع قصائد تم تحليلها وبيان حركة الزمن فيها، ومن خلال الإستعانة بقصائد أخرى على هامش هذا الفصل.