في المسألة الواقعة بين نظريّة المؤامرة، وبين مبدأ القابليّة للإستعمار، يختصر الهمّ الإسلاميّ بشكل عامّ والهمّ العربيّ بشكل خاصّ نفسه، وبقدر ما في النظريّة والمبدأ من الحقيقة أو الوهم وما فيهما من المبالغة أو المعقول وما فيهما من الطروء او الديمومة، فإنّ ما يشهده الواقع العربيّ والإسلاميّ هو نتيجة طبيعيّة ومحصّلة منطقيّة لهزليّة ...
قراءة الكل
في المسألة الواقعة بين نظريّة المؤامرة، وبين مبدأ القابليّة للإستعمار، يختصر الهمّ الإسلاميّ بشكل عامّ والهمّ العربيّ بشكل خاصّ نفسه، وبقدر ما في النظريّة والمبدأ من الحقيقة أو الوهم وما فيهما من المبالغة أو المعقول وما فيهما من الطروء او الديمومة، فإنّ ما يشهده الواقع العربيّ والإسلاميّ هو نتيجة طبيعيّة ومحصّلة منطقيّة لهزليّة جدليّتهما الّتي يؤيدها الجمود والتطرّف الفكري أكثر ممّا تؤيّيدها المنهجيّة والموضوعيّة العلميّة، فكلّما أنكر أنصار النظريّة الإعتراف بوقوعهم تحت تأثير المبدأ أو أنكر أنصار المبدأ الإعتراف بوقوعهم تحت تأثير النظريّة تفاقمت الأزمة، وكلّما طال زمن التيه، وتباعدت مسافة الهدف دون إزالة هذا الغبش الفكريّ والنفسيّ، فإنّ الأمّة لن تدرك اللحظة التي تتضافر فيها طاقة الإيمان وطاقة المعرفة وطاقة العمل كشرط من شروط نهضتها."صهيل الخندق الأخير" هو صوت متحشرج لدعوة الذاكرة العربيّة والمسلمة إلى التخلّص من تأثيرات كلّ التيّارات الفكريّة والآيديولوجية والثقافيّة الّتي تساقطت أقنعتها أو تآكلت من تلقاء نفسها، تلك التأثيرات الّتي حوّلت إهتمامات أجيال هذه الأمة وجهودها من الجوهريّ إلى الشكليّ، ومن الربّانيّ إلى البشريّ، ومن المستديم إلى المتآكل.هذا الكتاب إستثارة لتلك الذاكرة للتنبّه إلى الثقوب الكثيرة الّتي تستنزف طاقاتها، وتشتّت رؤيتها وتعطّل حركتها إلاّ من التراجع إلى مزيد من الوراء، ولإستعادة ضميرها لتكون شيئاً، لا شيئاً مختلفاً عن أي أمّة أخرى، يكفيها فقط أن تكون أمّة تحترم هويّتها وثقافتها وتاريخها وجذورها، وأن تتقمّص روح التحرّر والتغيير والتجديد والأصالة والنهوض، وأن تحاول إثبات الذات بإبتكار وجه جديد لحضارتها بشرط أن تبدأ محاولتها من خندق الإسلام وهي بكامل عتادها من تلكم الهويّة الإسلاميّة والثقافة الإسلاميّة والجذور الإسلاميّة، كما سبق أن نجحت هذه الأمّة المؤيّدة في إبتكار وجوهها الحضاريّة الإبداعيّة على إمتداد التاريخ، لأنّها بغير ذلك لن تصل إلاّ إلى إجترار نسخ مبتذلة من تجارب الآخرين ممّا ألقوا به في قمامة الماضي، ومضوا يسابقون الزمن في قاطرة حضاريّة جديدة.لهذا كان "صهيل الخندق الأخير" مطالعة نازفة بين التسطيح والتعقيد للمشهد الإسلاميّ في معركة الكينونة، ومصير الأمّة يتأرجح بين البقاء ولكن بالأحلام والتقوقع، وبين الفناء بالإستسلام والتقليد، وكان "صهيل الخندق الأخير" محاولة لفهم الواقع قبل التعامل معه، ولفهم قدرات الإسلام الكامنة للتأثير في الجماهير المسلمة، ولفهم مدى قابليّته التجدّدية على التواؤم مع إمتدادات واقعهم، وإعطائه حلولاً لأزماته ومآزقه.