نبذة النيل والفرات:انهيار المباني يؤدي إلى إعمار بيانٍ جديد... وانهيار المعاني يؤدي إلى إظهار معانٍ جديدة. ولدينا نحن المسلمين قدرة لا بأس بها في مجال المباني، لكننا نقف مذعورين وغاضبين أمام أي مساس بالمعاني. تطورنا مادياً، رغم أنفنا، في اتجاه أحادي يتبع سنة الله في الأمم والمجتمعات.. ولكن ظلت المعاني التي تشكل المحاور الأساسية ...
قراءة الكل
نبذة النيل والفرات:انهيار المباني يؤدي إلى إعمار بيانٍ جديد... وانهيار المعاني يؤدي إلى إظهار معانٍ جديدة. ولدينا نحن المسلمين قدرة لا بأس بها في مجال المباني، لكننا نقف مذعورين وغاضبين أمام أي مساس بالمعاني. تطورنا مادياً، رغم أنفنا، في اتجاه أحادي يتبع سنة الله في الأمم والمجتمعات.. ولكن ظلت المعاني التي تشكل المحاور الأساسية في فكرنا وفهمنا وأقوالنا وأفعالنا.. حبيسة القرنين الثاني والثالث الهجري، ولأن المعاني صناعة بشرية بحتة، فإنها محكومة مثل صانعيها بالزمكان والتجاهل القسري لذلك يكاد يكون السبب الأبرز لتخلفنا الذي تكتشفه عند بدء حوار ديني أو سياسي فتلحظ مدى تخبطنا وتخلفنا.. وأول ما يلفت الانتباه هو جهلنا التام بأغراض الحوار وآدابه...لم نتعلم كثيراً من النبي المصطفى وصحبه عن أصول المجادلة والحوار. كانوا يحاورون ويجادلون الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يلتزمون إلا بما يكون وحياً من السماء. وسؤالهم المميز للرسول صلى الله عليه وسلم كان عادة: أهو الرأي أم الوحي يا رسول الله؟ لو نطرح هذا السؤال اليوم فسنكتشف أن الرأي اختلط بالرواية واختلط بالوحي، فصرنا نتعامل مع المرويات الأموية كما نتعامل مع وحي السماء، وكذلك مع الفقه العباسي، وصارت السيرة الشعبية للنبي المصطفى مصدراً لدينا مثل وحي السماء، كل ذلك مقدس وملزم ومحوط بسياج من الصراخ والإرهاب، وعليه يافطة حمراء ضخمة مكتوب عليها: ممنوع الاقتراب.وثاني ما يلفت الانتباه هو العمى التاريخي الذي لم تنتج منه إلا القلة القليلة، هذا العمى التاريخي يجعلنا نقرأ كتاب الله وسيرة رسوله بسطحية وثقة تثيران الدهشة، ولا نميز في قراءتنا بين ما هو تشريع ملزم، وما هو قصص حق من ذكر الأولين، ومن ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ومن معه، ويجعلنا نروي الروايات المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلمن وكأنها كلها صحيحة، وكأنها كلها ملزمة، ومن دون تمييز لما هو رأي غير ملزم وبين ما هو وحي.وثالث ما يلفت الانتباه ويزيد صعوبة التواصل بين الناس هو ما وقع الناس فيه، بحسن نية، من الوثنية اللفظية...! هناك كلمات معينة صارت عليها حراسات مشددة.. ما أن يستخدمها إنسان حتى تنشط شبطة الدفاع السلفية لمهاجمته.. هذه الشبكة العجيبة موجودة بشكل أو بآخر في كل واحد منا.. نتيجة تعاليمنا.. أو سوء تعليمنا..سيواجه القارئ بعض هذه الكلمات في هذا الكتاب.. أول هذه الكلمات هي كلمة الدين والكلمة الثانية هي كلمة السنة، والمصطلح الثالث الذي سيصادف القارئ هو مصطلح الشريعة الإسلامية. يتحدث الكاتب عن تلك المصطلحات في محاولة للوصول إلى الحق في كل ذلك والذي وجد أن السبيل إليه ما هو إلا عن طريق تدبر كتاب الله. هذا وإن ما سطره الكاتب في كتابه هذا لم يصدر عن متخصص أو عالم أو فقيه، بل صدر من إنسان يبحث عن الحقيقة.. يبحث عن الدين الحق، لذلك جاءت كلماته ساخنة، وجاء أسلوبه بصيغة المتعال، ليصل أسرع ولعيطي صورة أوضح للقارئ غير المتخصص.. القارئ الباحث عن الحقيقة.من هنا يمكن القول بأن ما ضمّه الكتاب من مقالات إنما هي محاولات للفهم للتفكير أكثر منها محاولات لإثبات صحة آراء محددة.. من هنا يرى الكاتب بأنه ليس المهم الاتفاق على رأي واحد.. لكن المهم بالنسبة له هو الاتفاق على أن لكل إنسان حقه في رأيه، وأن التدبر في ما أنزل الله ضرورة لمن أراد ويريد معرفة الدين الحق.