يجب أن ندخر فى تصورنا أن المصرى القديم قد كان انسانا يشبهنا فى كل شئ، وأن لحضارته أسسا تشابه ما لحضارتنا من أسس. وأن خواطره فى عالم لم يتم ادراكه بعد، قد كان تصورا سابقاً لما سيكون عليه التفكير الحديث، ولكى نردك حقيقة مصر القديمة يجب علينا أن نجرد أنفسنا من فكرة الوقوع فيها على ثقافتنا وميولنا. بتلك المقومات الأساسية لحياته الفع...
قراءة الكل
يجب أن ندخر فى تصورنا أن المصرى القديم قد كان انسانا يشبهنا فى كل شئ، وأن لحضارته أسسا تشابه ما لحضارتنا من أسس. وأن خواطره فى عالم لم يتم ادراكه بعد، قد كان تصورا سابقاً لما سيكون عليه التفكير الحديث، ولكى نردك حقيقة مصر القديمة يجب علينا أن نجرد أنفسنا من فكرة الوقوع فيها على ثقافتنا وميولنا. بتلك المقومات الأساسية لحياته الفعلية، وبعدم قدرته التى لا يمكن اخضاعها لمجال الفكر المجرد، وباعتقاده الساذج فى كمال عالم خلق للبشر وصور على قده. ونحن نخطئ كذلك أشد الخطأ حين نرى فى الحضارة المصرية مرحلة غير كاملة للتطور البشرى فى العصور الاغريقية اللاتينية، بل يجب على العكس من ذلك أن ندرك أن الأمر أمر تطور بشرى ينفصل انفصالا تاما عن تطور البشر فى الغرب، وأنه من ثمار حياة مجتمع لا صلة بينه وبين مجتمعنا وان كان قد استطاع أن يخرج فى مجال الحضارة نتاجا يعادل فى قيمته نتاج الحضارات الأخرى.ولو رضى السائح بالتخل عن غروره العصرى بعض الوقت، ونسى المقارنة بين معبد الأقصر والكاتدرائية وبين فرعون ورئيس دولة عصرى، أو بين ضريح فرعون وقبر نابليون، نقول: لو رضى بذلك بعض الوقت فى سبيل فهم ما كان من أمر العقيدة المصرية لاستطاع اذن أن يدرك أن تلك الكائنات المقدسة التى عبدت فى مصر لا يمكن أن تشارك فى غير التافه اليسير من أمر أرباب أو لمب وشعر الندب عند الاغريق وشعر النهضة (أيام القرن السادس عشر)، وانها قد تشارك باقل من ذلك ارباب اليهود والنصارى والمسلمين. وسوف لا يدهشه بعدئذ أن يرى فى القبور تمجيدا لقوى الحياة، والقوى المقدسة التى تتجلى فى كل شئ يقدر على الحركة والعمل وانه لمستطيع كذلك -وهو ينتقل بين دور العبادة- ان يدرك كل ما كان هذا العالم الرائع -وان يكن غير ثابت- يقتضيه من ضرورة اليقظة والعناية ليحتفظ بثباته الأصيل، على ان هناك أكثر من سبيل للنافذ الى صميم حياة المصريين القدماء، وفى كل منها صورة من مظاهر حياتهم اليومية أو بعض الخطوط الرئيسية لتقاليدهم، أو بعض أحداث من تاريخهم القومى.