مقدمة الكتاب:تمهيد" العلمنة والأسلمة، لا.. ولا" هذا أول ما بدر إلى ذهني، وأنا أتخيّر عنوانا لهذا العمل؛ غير أنّ السلبيّة التي يتسلط بها هذا العنوانُ على مضمون الكتاب، قد تفسدُ العلاقة بين طروحاته والقارئ المرتجى؛ فتضيع الأهداف المتوخاة، ويكون هذا العمل بلا جدوى؛ فالسلبيّة ليست شجاعة، وما كان هذا العمل أصلاً إلا في مواجهة سلبيّةٍ...
قراءة الكل
مقدمة الكتاب:تمهيد" العلمنة والأسلمة، لا.. ولا" هذا أول ما بدر إلى ذهني، وأنا أتخيّر عنوانا لهذا العمل؛ غير أنّ السلبيّة التي يتسلط بها هذا العنوانُ على مضمون الكتاب، قد تفسدُ العلاقة بين طروحاته والقارئ المرتجى؛ فتضيع الأهداف المتوخاة، ويكون هذا العمل بلا جدوى؛ فالسلبيّة ليست شجاعة، وما كان هذا العمل أصلاً إلا في مواجهة سلبيّةٍ نلحظها في طروحات العلمانيين والإسلاميين على السواء.لذا؛ كان عنوان هذا العمل "العلمنة والأسلمة، نعم.. ولكن". "نعم"، حرف جواب للتصديق والوعد والإعلام.. ما يعني أننا سقناه هنا؛ لما ينطوي عليه من إيحاء بالتجاوب مع التطلعات الصادقة، والنوايا الحسنة التي نفترضها في أخلاد العاملين في سبيل العلمنة، أو في سبيل الأسلمة. إذْ نفترضُ أنّ الهدف أولا وأخيراً هو إنسانيّة الإنسان بما تنطوي عليه من كرامةٍ وعزّة نفسٍ، في الوطن، أو في أي مكانٍ في العالم. "ولكن"، جئنا بهذا الحرف المخفف من "لكنّ" الذي يشبه الفعل "أستدرك"، لنحدّ من تمادي إيحاءات "نعم"؛ فالاستدراك بـ "لكنْ" أو"لكنّ" هو لإزالة وهمٍ يتسبب به ما قبله؛ فـ "نعم" توهم بأننا نتجاوب مع كلّ ما يطرحه العلمانيون، وكل ما يطرحه الإسلاميون، وهذا فعلٌ لا يستقيم لعاقل، بل هو وهمٌ فاضح، من حق المتلقي أن يتوهمه لو قلنا:" العلمنة والأسلمة.. نعم ". ومنعا لهذا الوهم، جئنا بـ"لكن". وقد جاء اختيارنا للعنوان، بعد قراءتنا النقدية لكتاب الأستاذ الدكتور جورج طرابيشي"هرطقات2 عن العلمانيّة كإشكاليّة إسلاميّة ـ إسلامية" إذْ أورد فيه فصلاً مثيرا تحت عنوان " العلمانية كجهادية دنيوية" فيقدّم لنا العلمانيّةَ على أنها عنصر فاعلٌ واساسيّ في جدليّة التقدّم والتخلّف، ويطرح تأسيسا على ذلك إشكاليّة العلاقة بيننا وبين التقدّم والحداثة، بوصفنا عربا ومسلمين في إطار جيوـ ثقافي ـ إسلامي، فيسأل إنْ كانت أوروبا قد أنجزت تقدمها وحداثتها لكونها مسيحية، أم لكونها قد أنجزت علمنتها، فإذا كان ذلك لكونها مسيحية، فإنّ التقدّم والحداثة بعيدان كلّ البعد وربما إلى الأبد عن العرب والمسلمين، وإنْ كان ذلك لكونها تعلمنت، فإنّ التقدم والحداثة العربيين ممكنان إذا انتهجنا سيرورة العلمنة الأوروبيّة. والدكتور طرابيشي يعتقد أنّ مرد التقدّم الأوروبيّ والحداثة الأوروبيّة، إلى إنجاز العلمنة في أوروبا.وحول الآليات التي تحكّمت بولادة الحداثة الأوروبيّة، يتحدّث عن القطيعة بين القارة الجيو ثقافيّة ـ الأوروبية الغربيّة والنظام المعرفي الديني للقرون الوسطى. والقطيعة هذه هي العلمنة، ويستعمل لها مفرداتٍ من المعجم العربي الإسلامي، فيسميها الجهادية الدنيوية، بدلا من الجهاد في سبيل الآخرة. ويرى أن هذه الجهادية الدنيوية، أحدثت في مسار البشرية انعطافا بمئة وثمانين درجة تلبست شكلَ علمنة بمستويات عشرة يعرضها مفصلة، وهي على التوالي: العلمنة الدينية، العلمنة الثقافية، العلمنة اللغوية، العلمنة الإنسانية، العلمنة العقلية، العلمنة العلمية، العلمنة الطبقية، العلمنة القانونية، العلمنة السياسية، وأخيرا العلمنة الجنسية.تعاملنا مع ستة فقط من هذه المستويات، لكون الأربعة الأخيرة تحتاج للتعامل معها مختصين بعلوم الاجتماع، والقانون، والسياسة، والنفس، وهذا ما لا ينبغي لي.أما لجهة المنهج الذي اعتمدناه في معاينة آراء الدكتور طرابيشي، أو مستنبطاته، فهو المنهج الحجاجي البرهاني، الذي يقوم على عرض الأفكار، ومحاورتها بهدف تأكيدها أو دحضها، وربطها عقليا بجملة أنساقٍ ثقافية، واجتماعية، وإيديولوجية، ودينية، وعلمية.....،ويستهدف هذا المنهج إقناع الآخر والتأثير به عن طريق سوق الحجج المتنوعة والمعللة. وأبرز الحجج التي بنينا عليها ، ويقتضيها هذا المنهجُ، هي:1. المقولات كالنظريات العلمية والمفاهيم الفلسفية والتعريفات.2. شواهد قولية من الكتب المقدّسة، أو لأعلام كالعلماء والفلاسفة.3. التجربة والملاحظة الحسيّة.4. البرهنة من خلال ربط النتيجة بسببها/أو الحجة القائمة على القياس، أو الاستنباط.5. حجة المثل به نبطل حجة أو نثبت حجة.6. المماثلة بين موضوع الحجاج ومواضيع أخرى تكون الحجة فيها أبين.7. التعريف ووصفه، والتحديد. تعريف الموضوع وتحديد العناصر المكوّنة له.8. المقارنة بهدف التفسير والتعليل والاستنتاج والتقويم. أما لجهة المصادر والمراجع التي توكأنا عليها بعامة، فهي إضافةً إلى القرآن الكريم كان للموسوعات والمعاجم دور كبيرٌ في رفدنا بما نحتاج، إضافةً إلى عدد من المواقع الإلكترونية المعتمدة.وأخيراً، أتمنى أن أكون بهذا العمل قد أضفت جديدا، أو أضأت معتما، وليس من سبيل يمكنني من خلاله أن أخدم أمتي إلا الكتابة والتعليم، ولا أتوخى بهما الإساءة لأحدٍ مهما تعارضت معه، ولا امتداح أحدٍ مهما توافقت معه، فلئن بدا من هذا شيءٌ فليس بقصدٍ مني فأعتذر، وكم أتمنى أن أتلقى ملاحظاتٍ تبين لي عيوب عملي هذا، فتكون بمثابة هدية قيّمة تُهدى لي. والله من وراء القصد.