" الفشلُ مِنْ بعدِ المحاولةِ أسْمى مِنْ أنْ يظلَّ المرءُ واقفاً ينظرُ إلى النَّجاحِ مِنْ بعيدٍ " ،،المؤلف،،-------" الناس من حولك على درجات ؛ فواحد يؤذي نفسه ليقدم لك المساعدة . وآخر يُظهر لك المساعدة ولكنه ألدُّ الخصام ، فكن ذكيّا وفرّق بين كليهما " . من مقدمة الرواية : استيقَظَتْ قبل بزوغ الفجر فنهضَتْ على عجل بلا استعياء ، وأ...
قراءة الكل
" الفشلُ مِنْ بعدِ المحاولةِ أسْمى مِنْ أنْ يظلَّ المرءُ واقفاً ينظرُ إلى النَّجاحِ مِنْ بعيدٍ " ،،المؤلف،،-------" الناس من حولك على درجات ؛ فواحد يؤذي نفسه ليقدم لك المساعدة . وآخر يُظهر لك المساعدة ولكنه ألدُّ الخصام ، فكن ذكيّا وفرّق بين كليهما " . من مقدمة الرواية : استيقَظَتْ قبل بزوغ الفجر فنهضَتْ على عجل بلا استعياء ، وأقبلَتْ على النافذة ففتحتها وأرسلَتْ بصرها يجوب السماء ، تراقِبُ القمرَ والنجومَ وهي تجري على حد سواء ، فلمّا لاحت أول خطوط الضياء ، وتسامى صوت المؤذن يجلجل في الأرجاء ، سرَتْ في عروقِها نبضةٌ خَرَجَتْ من قلبها تحملُ الوهنَ والأسى فشعرَتْ باستياء ، فقيَّدَتْ أنفاسَها الغضّة داخل صدرها المكبوت منذ سنوات طوال عساها أن تحظى بشيء من الاسترخاء ، أغمضَتْ عينيها وسرَّحَتْ أنفاسَها ثمَّ لمَّتْ آخرا وعمَّقتْ به فتذكرَتْ صلاتها فأسرعَتْ إلى بيت الخلاء ، فأزالتْ ما كان عليها من خبث بوضوئِها فلبسَتْ به ثوباً من طهارة ونقاء، ثم استقبلَتْ قبلتها ومدَّتْ مصلَّاها وأسدلَتْ على جسدِها حلَّةَ الصلاةِ البيضاء ، فلمّا أوشكَتْ روحها أن تشعر بالراحة والانتشاء ، انقبضَ قلبُها وفاضَ ألماً حينما تذكرَتْ بأن لباسها صُنع في مصانع الأعداء ، ثم كبّرت مسرعة للصلاة فدخلَتْ في عالم هو من أجمل عوالم البشر الأحياء .أنهَتْ صلاتها و جثَتْ ترتقب شعاعَ الشمسِ الأولِ فأبصرَتْه ينتثرُ على سهولِ حيفا الشَاجِنة ، وسواحلها الدامعة ، وأخذ ذاك الدثار الذهبيُّ يمتد شيئا فشيئا حتى كسا المدينةَ بأكملها ، من أولها لآخرها ، فدمَسَها كما يدمسُ الثلجُ ناصع البياض الأرضَ فيخفي كل مثالبها و معالم البهاء عليها ، كان لضياء الشمس هذا مكانة عظيمة في قرارة نفس وردة فهو قد مسح أرضَ القدس قبل أن يتجلى في سمائها أو يلامس من حيفا أرضها ، كانت تشعر بأنه محمّلا بالمحبة والسلام ، إلا أنها كانت تسمَعُ فيه همسا ؛ يعكّر نقاؤه فيجعله مشوبا بما يلوثه ، فيكدّر بدوره صفو حياتها ؛ كان الأقصى يئنّ متألما ويَتَنهَّدُ محتضرا .ارتجَّ الهاتف في جيبها وعَلَتْ رناته حتى بلغَتْ صيوان أذنيها فتنبهَتْ من شرودها و لَفَظَت بذاك التفكير عنها جانبا وصارت تدوّر ببالها خواطر أخرى لم تألف وردة أن يحدثها أخوها سعد في مثل هذا الوقت من اليوم ، فإن كان هو من يتصل فهذا يعني أن خطبا ما قد حدث ، فعَجِلَت وامتغطت الهاتف من جيبها كما يَمْتَغِطُ الفارس سيفَه من جرابه ونظرَتْ إلى الشاشة الصغيرة بتوق فلمّا عاينت رقم الهاتف المتصل بها جحظت عيناها وتسمّرت ووجف قلبها وصارت في حيرة بين أن تضغط على ذاك الزر الأخضر فتجيب اتصاله أم تتركه فيملُّ وينسى .استطرد الهاتف طنينه بينما داومت ساقها على الاهتزاز وقد بدت عليها علامات التوتر إلى أن انقطع صوته وتلاشى حسّه واضمحلّ عويله ، فهبط الدم من رأسها بعدما ارتفع حتى أحسّتْ بأنه شارف أن ينفجر منبجسا من أنفها فارتدَّ من حيث خرج ، شعرت للحظة بانتصار تاريخي وتهيأ لها بأنها استطاعت أن تتغلب عليه ، ظنّت أن الخلاص منه سيكون بمثل هذه السهولة لكن ما هي إلا ثوان قليلة قد مضت حتى عاود الهاتف رنينه من جديد ، وقد شعرت هذه المرة أنَّ صوت زيد قد اندمج مع صوت الرنين وكأن ذاك الشاب السخيف استطاع أن يحوّل إيقاع هاتفها إلى كلمات تزجرها وتعنّفها لأنها لم تجبه في المرة الأولى ، ومن دون أن تدرك ضغطت على مفتاح الاستقبال وأدنت بسماعة الهاتف من أذنها مستمعة لكلماته تنزل عليها كالرصاص المصبوب ظاهرها جميل وباطنها قبيح .- خاتمة الرواية : بقيت وردة على اتصال مع الأخت ياسمين وتحوّل حالها وتبدل ، فخرجت من ظلمات إلى نور ، وإلى جنة بعد النار ، وانغمست تعيد بناء نفسها ، وتؤثّر بمن حولها ، وتنشر الخير بينهم ، وأخذت تحفظ القرآن الكريم ، وتنهل مما طاب لها من علم الحديث والفقه ، وتقدمت لاختبار الثانوية العامّة في حيفا وشعرت بلذة الحياة الحقيقة بعدما أنعم الله عليها بالحرية ، وهي بقيت حتى اللحظة التي أكتب فيها هذه الكلمات على اتصال مع الأخوات ، يتابعونها ويساعدونها ، فلما بلغني أمرها استأذنتها أن اكتب قصتها ، وانشرها ، ففرحتْ وابتهجتْ ، فَأَذِنَتْ ، عسى الله أن يحمي بسبب ما جرى معها الكثير من الأخوات ... فكتبتُ ، وعلى أحداث القصة قد أتيتُ ، فإما قليلا زدتُ ، أو مثله أنقصتُ ، فمرة أبقيتُ ، ومرة أبدلتُ ، وبهذا انطوت صفحة من صفحات الحياة ، تحمل قصة معاناة ومأساة ، انتهت بفرج من الله بعد المناجاة ، صفحة تركت أثرا عظيما في نفس وردة وروحها ، وفي نفس من جمّع كلماتها وكتبها وأرجو أن تكون قد تركت نفس الأثر في نفس قارئها .