الغرض من هذا الكتاب هو إرساء تشريع مالى موحد لوضع فريضة الزكاة موضع التنفيذ إلى جانب الضريبة الغير مزدوجة كأداة لتحقيق الموازنة والمواءمة الاجتماعية ، وهو تشريع دولة أكثر منه تشريعا للأفراد ، فالأفراد لهم أن يتخيروا من بين الآراء والترجيحات فى غير المنصوص عليه طالما أن الدولة لم تقم بتنظيم أداء الفريضة وتوزيع أعبائها بين أرباب ا...
قراءة الكل
الغرض من هذا الكتاب هو إرساء تشريع مالى موحد لوضع فريضة الزكاة موضع التنفيذ إلى جانب الضريبة الغير مزدوجة كأداة لتحقيق الموازنة والمواءمة الاجتماعية ، وهو تشريع دولة أكثر منه تشريعا للأفراد ، فالأفراد لهم أن يتخيروا من بين الآراء والترجيحات فى غير المنصوص عليه طالما أن الدولة لم تقم بتنظيم أداء الفريضة وتوزيع أعبائها بين أرباب الأموال. أما إذا قامت الدولة بما تفرضه عليها النصوص من تنظيم أداء هذه الفريضة، فليس لأحد أن يخرج عن هذا التنظيم . فالدولة فى الإسلام هى الجهة الوحيدة التى يناط بها واجب تنظيم وتنفيذ أحكام الزكاة بوصفها حقا خالصا للفقراء والمساكين فى أموال الأغنياء ، والضريبة بوصفها حقا إجتماعيا للجماعة بأسرها. فالأصل فى شريعة الإسلام أن تتولى سلطة الجماعة أمر الزكاة فتجبيها من أربابها وتصرفها على مستحقيها. فمن يتتبع السنة الفعلية والقولية للنبى صلى الله عليه وسلم يجد أن أمر الزكاة كان فى عهد النبى من شؤون الدولة واختصاصها. وفتاوى وسِيَر الصحابة تؤكد دون أدنى شك أحقية الدولة فى تنظيم فريضة الزكاة ووضعها موضع التنفيذ. وعدم وضع فريضة الزكاة موضع التنفيذ بمعرفة الدولة لا يترتب عنه ضياع حقوق الفقراء والمساكين فحسب ، وإنما يؤدى إلى تدهور الأمة إقتصاديا وإجتماعيا. فقد أوجبت الشريعة الإسلامية على كل من اكتسب رزقا جديدا أن يخرج مما آتاه الله جزءً منه إلى الفقراء والمعدومين والعاجزين عن العمل . وجعل إخراج هذا الجزء شرطا موجبا للإنتفاع بالمال. كما أوجبت تكرار الزكاة سنويا على الأموال التى ينقضى عليها الحول وهى فى يد صاحبها دون أن تتم منفعتها التى خلقت لها أو وظيفتها التى كرست لها أو أنتجت من أجلها بشكلها الخاص. وهى بذلك تحث المستخلف على المال على إخراجه وإنفاقه والإنتفاع به دون إسراف أو تقتير ، وعدم تكنيزه أو كتمانه. فالأموال لم تخلق للحفظ والصيانة ، أو للإدخار والتكنيز ، أو للعبــادة والتجسيد ، وإنما خلقت للإستخدام بغرض إشباع حاجات صاحبها من ناحية ، وإشباع حاجات الناس من خلال تداولها أو الإنتفاع بمنافعها من ناحية أخرى. فملكية المال إنما جعلت لينتفع به الشخص بطريق مباشر، ولتنتفع به الجماعة بطريق غير مباشر. فمن سعى فى جمع المال وإدخاره وصار كأن مجرد وجوده بين يديه يشبع حاجة أو رغبة مستكفة دون أن ينتفع به أو يوظفه فيما خلق له ـ فقد عطل وظيفة المال وحبس منافعه ، وعطل إنتفاع الجماعة ، وساهم فى تقليص رأس المال فى المجتمع وتعطيل دورة الإنتاج ،الأمر الذى يؤدى بدوره إلى انخفاض الناتج القومى، وتوقف عجلة التنمية ، وزيادة البطالة ، وإختلال التوازن المعيشى بين الأفراد ، وشيوع الفساد بسبب عدم كفاية الحاجة الضرورية لمعيشة الأفراد ، وانتشار الفتن بسبب عدم العدالة فى توزيع الحقوق والواجبات. والضرائب الوضعية بصورتها الحالية لا طائل أو فائدة منها ، فلا هى آداة لتحقيق الموازنه والمواءمة الاجتماعية ، ولا هى وسيلة للنمو والازدهار الاقتصادى. ولا سبيل لتلافى الآثار الاقتصادية المدمرة للمجتمع الإ بالعودة إلى الإسلام ، وتطبيق شرائعه ، وتعظيم شعائره . وعلى الرغم من أن كتب الفقه قد حفلت بالشئ الكثير عن الزكاة وأحكامها إلا أن ما جاء متعلقا بالزكاة فى هذه الكتب لا يصلح فى جملته لأن يكون تشريع دولة ، فهو عبارة عن أراء وأقوال الفقهاء والصحابة والتابعين فى كل مسألة أو نازلة تخص الزكاة. والآراء والاقوال بين المذاهب وفى داخل كل مذهب حافلة بالاختلافات والتصحيحات والتفريعات والترجيحات. وما يؤيده مذهب من المذاهب من هذه الآراء أو الأقوال قد يرفضه المذهب الآخر. وأكثر هذه الاختلافات يرجع إلى عدم الاتفاق على علة الاموال المنصوص عليها ، ومن ثم اختلاف الفقهاء فى أصناف الأموال التى تجب زكاتها ، وترتب عن هذا الخلاف اختلاف الآراء حول المعنى المعتبر فى الزكاة ، هل هو العين أم القيمةوالهدف من هذا التشريع هو وضع أحكام الزكاة موضع التنفيذ من خلال إختيار الرأى الأرجح والأيسر عند التنفيذ من بين الآراء محل الخلاف دون إخلال بمبادىء العدل والمساواة من جهة وإعتبار المصالح والمقاصد من جهة أخرى، كذلك من خلال اعمال القياس الصحيح بعد تفهم العلة من زكاة الأموال المنصوص عليها. وقد إستوجب ذلك شرح مفهوم المال وأقسامه فى الإسلام وعلاقته بالزكاة لبيان العلة من وجوب الزكاة والغرض منها وحكمتها والمعنى المعتبر فى أجناس الأموال المنصوص عليها ، كذلك شروط الوجوب وأركانه ، وماهية النصاب ومعناه والحكمة منه وعلاقته بحد كفاية الحاجة الضرورية، وأحكام الواجب فى أموال الأشخاص الطبيعية والإعتبارية (السارية والمنقضية) على اختلاف مصادرها ، وتاريخ وطريقة تملكها ، وطبيعة منافعها ، وطريقة الإنتفاع بها ونوع الواجب فيها ومقداره وميقات استقرار وجوبه وميقات أدائه، وشروط الإعفاء والأداء ،وأحكام العقود الشرعية للمال المختلط وعقود الإشتراك فى الربح ، وأحكام الضريبة وإطارها ونطاقها والأموال التى تجب فيها من غير أموال الزكاة وأثرها فى تحقيق الموازنة والملاءمة الإجتماعية . وقد روعى فى هذا التشريع أن يتم التعديل والتغيير فى النظم الضريبية الحالية بكل سهولة ويسر دون حاجة إلى إحداث ما يشبه الإنقلاب المدنى فى النظم المالية .