نبذة النيل والفرات:عني النقاد العرب القدماء بتأويل الشعر الجاهلي عناية كبيرة، وآية ذلك أنهم وجدوا ذلك ارتباطاً عميقاً بجماليات النص الشعري الفنية والنفسية، وتأثيراته في من يتوجه إليهم. وقد تركت عنايتهم تلك تراثاً ضخماً في كمه ونوعه، مبثوثاً في المؤلفات القديمة، شأنه شأن أي تراث أدبي، فيه ما هو خاص، وفيه ما هو عام، إذ يستطيع الدا...
قراءة الكل
نبذة النيل والفرات:عني النقاد العرب القدماء بتأويل الشعر الجاهلي عناية كبيرة، وآية ذلك أنهم وجدوا ذلك ارتباطاً عميقاً بجماليات النص الشعري الفنية والنفسية، وتأثيراته في من يتوجه إليهم. وقد تركت عنايتهم تلك تراثاً ضخماً في كمه ونوعه، مبثوثاً في المؤلفات القديمة، شأنه شأن أي تراث أدبي، فيه ما هو خاص، وفيه ما هو عام، إذ يستطيع الدارس الحديث أن يعيد تصنيفه بحثاً عن المدلولات العميقة لعدد غير قليل من المصطلحات النقدية، المعاصرة مثل التأويل القراءة، ونظريات التلقي، وسلطة النص أو ترويضه. والأمر نفسه في البحث عن المناهج أو الاتجاهات النقدية المتصلة بالشعر، وتقويمه، وكشف بناه وأنساقه التعبيرية.وموضوع الاتجاه النفسي والفني في تأويل الشعر الجاهلي الذي تناوله هذا الكتاب موضوعاً تطبيقياً في النقد العربي، ويعد جانباً أساسياً فيه، لأنه لا يقف عند بحث المشكلات النظرية التي تؤسس للاتجاه النفسي والفني في النقد العربي القديم، ولا يفصل جذورها النظرية فحسب، بل يقدم نظرة نفسية وفنية تطبيقية لصورة شعرنا القديم، متجسدة في مثاله الشعر العربي ما قبل الإسلام "الشعر الجاهلي ومتخذة من هذا المثال، ميداناً للتطبيق أو دليلاً على وعي النقاد العرب القدماء بهذا الاتجاه في شكله الذي وجد فيه. وإذا كان هم هذا الكتاب هو البحث في الاتجاه النفسي والفني في تأويل الشعر الجاهلي، فإن هناك الشيء الكثير، الذي يمكن أن يقال عن أسباب اختيار هذا الموضوع للدراسة والبحث، لعل أهمها عدم تناوله من الدارسين بوصفه اتجاهاً متكاملاً يمثل ظاهرة نقدية بحاجة إلى التأصيل، وسبر أغوار الموقف والرؤية عند الناقد العربي القديم، وما يمكن أن يفيده الدارس الحديث من المناهج النقدية الحديثة في مهمته، في الكشف وإعادة قراءة تراثنا القديم، قراءة متبصرة، لا قراءة مأزومة، ترتاب من القديم، وتسدل الستار عليه انبهاراً بالجديد من دون سواه.وحسب هذا الكتاب أن يكون قد شخص الحاجة إلى دراسة الاتجاه النفسي والفني في النقد العربي القديم، وبدأت المحاولة، ولكنها محاولة مقرونة بالتطبيق لأنها ملتزمة بحصر مهمتها أيضاً، في مظاهر النص الشعري الجاهلي، الممثلة بمظهره الفني واللغوي والمظهر الدلالي والنفسي.أما الكتاب فقد جعل في ثلاثة فصول، تصدى الفصل الأول لدراسة المنطلقات النظرية والتطبيقية عند النقاد العرب القدماء، الذين عنوا عناية خاصة بالملاحظة النفسية، بوصفها صوتاً يضاف إلى الأصوات الأخرى في فهم النص الشعري، وتأويله، أو قراءته. وقد كان الفصل الأول "الدراسة النظرية" في مبحثين: انصرف المبحث الأول لدراسة المنطلقات النظرية للاتجاه النفسي والفني عند النقاد العرب القدماء وتصوراتهم للملاحظة النفسية في قراءة النص الشعري، مستشهداً على ذلك ما أمكن بالأمثلة التطبيقية ومعتمداً بعض الشيء على اتجاه ابن قتيبة الذي يقرن السيرة والملكة الشعرية، ببناء النص الشعري، واتجاه عبد القاهر الجرجاني، الذي يقرن بين الملاحظة النفسية والفنية في فهم المعنى الشعري وتأويله، و اتجاه حازم القرطاجني الذي عني بالوظيفة الشعرية، وأثرها في المتلقى، وانصرف المبحث الثاني وهو بعنوان التفسيرات النفسية الحديثة لعملية الإبداع لدراسة الجوانب النظرية، والمنطلقات النفسية، ومصطلحاتها، التي تعنى بتحليل عملية الإبداع، وعلاقة علم النفس بالأدب والنقد، وما يفيده أحدهما من الآخر، فضلاً عن تعريف بعض التفسيرات العربية الحديثة لعملية الإبداع.أما الفصل الثالث والأخير، فقد جاء بعنوان (الدراسة التطبيقية) وقد قسم على ثلاثة مباحث، الأول تناول البنية النفسية والفنية للقصيدة الجاهلية فحل عدداً من القصائد للتدليل على بنائها النفسي والفني، في ضوء فهم رؤية النقاد العرب القدماء والمحدثين لأهمية الملاحظة النفسية في قراءة النص، وفهم دلالاته، وتابع المبحث الثاني "دلالات التجربة الشعرية النفسية في القصيدة الجاهلية"، من خلال تحليل بعض نصوصها ومحاولة تحديد رؤية في فهم المعنى الشعري وتأويله وتفسيره. ولقد كان المبحث الثالث الذي كان بعنوان "مستويا الصورة الشعرية النفسي والدلالي" رصداً لكيفية تشكل المعنى الشعري عند الشاعر العربي القديم، أو تشكيل الصورة الشعرية بمستوييها الدلالي والنفسي ضمن رؤية الذات المبدعة، والسياق العالم الذي جاءت فيه.وتجدي الإشارة إلى أن هذا الكتاب بكل فصوله اعتمد مصادر كثيرة لعل أهمها الكتب النقدية القديمة، من أبرزها كتب الجاحظ، وابن قتيبة، وعبد القاهر الجرجانين وحازم القرطاجني، ودواوين الشعراء الجاهليين، وديوان المفضليات وشروح المعلقات.