تعود فلسفة الاختلاف العدمية في جذورها إلى مرحلة ما قبل سقراط، إلى غورغباس ومقولة "اللاوجود" مقابل مقالة بارميندس القائمة على مبدأ "ثبوتية الوجود" وحضوره، وهيراقليطس الذي اعتبر الوجود واللاوجود متكافئين في الحركة والصيرورة والجدل الديالكتيلي. كما تنطوي البوذية أيضاً على فلسفة عدمية، روحانية، تقوم على انخراط الذات في اللاوجود، في ...
قراءة الكل
تعود فلسفة الاختلاف العدمية في جذورها إلى مرحلة ما قبل سقراط، إلى غورغباس ومقولة "اللاوجود" مقابل مقالة بارميندس القائمة على مبدأ "ثبوتية الوجود" وحضوره، وهيراقليطس الذي اعتبر الوجود واللاوجود متكافئين في الحركة والصيرورة والجدل الديالكتيلي. كما تنطوي البوذية أيضاً على فلسفة عدمية، روحانية، تقوم على انخراط الذات في اللاوجود، في تجرد الذات عن الذاتية. أما العدمية النيتشوية الحديثة فتقوم على إرادة القوة والديمومة والصيرورة، والاختلاف التفاضلي في ذات الشيء والهوية.وبما أن اللغة هي مسكن الوجود ولغة الكينونة، بتعبير هايدغر، تسعى التفكيكية إلى خلخلة الكلمة-المركزية، اللوغرقراطية، أو الكلمة المتمركزة على ذات الكلمة، وتعتبر الفكر حقيقة بلاغية، كامنة في الفرق والاختلاف، وفي العدم باعتباره مقوماً من مقومات الوجود.ومؤلف هذا الكتاب الدكتور سامي أدهم ينتمي إلى هذه المدرسة التفكيكية الراديكالية، إذ يرى في كتابه "ما بعد الفلسفة" أن الإنسان الحديث الذي حطم العقل المقولي العقلاني، الحتمي، أصبح يبحث عن مركز مطلق يستطيع بواسطته السيطرة على الطبيعة وعلى نفسه، "لقد دوخت النسبوية الإنسان"، كما يقول، وجعلته بلا أساس، وأظهرت له التشظي والفرادة والتناثل والضجة والشواش. وظهور فلسفة الكاوس (الخواء) الكوانطية أوقف اندفاع الحضارة الغربية في اتجاه الوجود، وجعل الفكر يتجه نحو مسلمات جديدة لخلق فلسفة جديدة تقرن الفلسفة بالعلم الأونطيقي. ويرى الدكتور أدهم في كتابه "تشميل ما بعد الحداثة" أن الممكن النولوجي الجديد حل في تطور العلوم الحديثة محل الممكن الأنطولوجي، فانبثق "دين جديد هو دين العلم" وتوصل الفكر العلمي مع تطور المعلوماتية إلى تحقيق الحلم الكانطي بالمعرفة العقلية المجردة، وأصبحت المعرفة العلمية معرفة سانتاكسية حلت فيها الآلة الصنعة والذكاء الاصطناعي والسبرنطيقا محل الأنا، المفكرة (الكوجيطو)، وأصبحت الذاتية اختراعاً تقنياً، آلياً، يتميز بالدقة والشفافية والتماهي والزكانة، وبذلك أصبحت الحقيقة حقيقة صنعية (اصطناعية) فيما وصلنا مع تطور التقنية إلى مرحلة ما بعد الحداثة، وما بعد الفلسفة، وما بعد، الحضارة، التاريخ، وما بعد، الإنسان؟ويؤكد الدكتور أدهم في كتابه الأخير "المعتقد المهيمن" (المحرك والدمية) على ما أكد عليه في كتاباته الأولى، فيرى أننا أصبحنا في العولمة الجديدة نخضع للعلم بانفلاته اللامحدود، وللتكنولوجيا بانتصاراتها المتواصلة. ولم يعد للفرد قيمة في ذاته إلا من خلال القوانين وشرعة حقوق الإنسان. فلقد أصبحنا برأيه نعيش في كاوس كوني يجتمع فيه المتشظي مع المنطقي مع الصنعي، وأصبحت القيم كاوسية متناثرة لا تخضع لمعيار أو لقانون أو لعرف. وهذه الكاوسية المتشظية سوف تعزز قيماً جديدة اجتماعية وأخلاقية وفنية وعلمية وشعرية في كون أو فضاء لا نهائي تقوم فيه المدينة الفاضلة على العلم والتكنولوجيا وليس على الدين والأخلاق الخ... تلك هي سمات العدمية الكاوسية بنظر المؤلف، والتي تشكل محور البحث في هذا الكتاب.