هل يكفي تعاقب مجموعة من الأحداث والحكايات وتجاورها في حيز ورقي واحد، لتشكل رواية؟ أم أن هذا النوع الأدبي جمّال أوجه، ويتسع لكل المحاولات السردية، أياً كانت العلاقات التي تنتظم وحداتها؟. هذا التساؤل تثيره رواية "دينامية" للكتاب السوري "زياد عبد الله" التي تتشكل من مجموعة من الوحدات السردية المتعاقبة والتي يرصد من خلالها الكاتب تا...
قراءة الكل
هل يكفي تعاقب مجموعة من الأحداث والحكايات وتجاورها في حيز ورقي واحد، لتشكل رواية؟ أم أن هذا النوع الأدبي جمّال أوجه، ويتسع لكل المحاولات السردية، أياً كانت العلاقات التي تنتظم وحداتها؟. هذا التساؤل تثيره رواية "دينامية" للكتاب السوري "زياد عبد الله" التي تتشكل من مجموعة من الوحدات السردية المتعاقبة والتي يرصد من خلالها الكاتب تاريخ مدينة اللاذقية منذ سبعينيات القرن الماضي أو حتى اليوم. المدينة التي باتت تعج بالإشكالات والتناقضات، وهي تنهض من ركام الأسى والقهر، بالموازاة مع الجماليات المتناثرة في بحرها وأزقتها ودروبها.يقدم زياد عبد الله في ديناميت سير شخصيات لا مألوفة، شخصيات لا تقبل بأية حلول وسطية أو مواقف توفيقية، بل يسكنها التطرف في تصرفاتها.تحضر وجوه كثيرة وحائرة في الرواية، سلمى التي تقدم كوجه مؤنث امرأة فاتنة ملقاة في مهب الأعاصير والعشاق، تعيش في كنف أب وحيد، تدور من حولها الأقاويل والشائعات، والدها عسكري ينتقل من مكان لآخر، لا أم ترعاها، ولا أباً يتفرغ لها، ثم تستكمل سيرة التشرد والتخبط والتيه، حين تتزوج بغسان البراني الملقب بالطوربيد، ولا تلبث أن تعيش معه شهوراً من السعادة المؤقتة، ثم يتفجر غسان في وجهها، ويسافر في البحر بحيث لا يعود لسنين. فتقع سلمى نهباً للحيرة والتشرد مرد أخرى، حتى يجتاح حياتها "أحمد البطم" الذي يقدمه الراوي كأنه وجه اللاذقية المذكر المفضوض عنه الطرف، فهو من جهة محام، مولع بالمدينة ومسكون بها، سليل عائلة غنية، لكنه يفضل العيش بين الفقراء، ينال احترام الجميع بثقافته وحضوره وتقديره، يقع أحمد البطم في حب سلمى منذ اللحظة الأولى التي يراها فيها حين يزور غسان ليهنئه بزواجه، ليصارح نفسه بعد ذلك بأن جمالها يجب ألا يحتكر من رجل واحد... حتى يقع المحذور وتحمل سلمى من ذلك المثقف، ما دفعه الى الهروب الى حضن أمه وحياته البرجوازية السابقة يتجول بين صالونات الفكر والأدب في المدينة بينما سلمى الحائرة بين نار الشوق التي تكنها له ومولودها القادم من أب غير شرعي... وصولاً الى اعتقالها لدى أحد الفروع الأمنية واستجوابها بطريقة مذلة ومرعبة، أفقدتها رشدها، أما زوجها فقد التحق بجماعة الأخوان المسلمين في عمليات ضد السلطة، وهكذا ينسج الروائي تفاصيل وأمكنة وحكايات رسمت تاريخاً حافلاً للمدينة وأزقتها الضيقة وناسها البسطاء في مواجهة ذوي النفوذ والسلطة.