"سنحيي تحت الخيمة يا ميرزا حفلة لم يسبق لها مثيل لا تستعجل، كل شيء بالصبر. ويبدو أن الجموع كان قد استبد بهم جميعاً، فما أن بدأوا بالأكل، إلا وأطبق عليهم الصمت، وظلّ شيخو كعادته واقفاً وهو يزودهم بين فينة وأخرى بصحن من الرز أو المرق أو أقراص من الخبز الحار. وحين تأكد أنهم قد هدءوا ثعابين الجوع في أحشائهم وبلغوا الذروة، انسحب بهدو...
قراءة الكل
"سنحيي تحت الخيمة يا ميرزا حفلة لم يسبق لها مثيل لا تستعجل، كل شيء بالصبر. ويبدو أن الجموع كان قد استبد بهم جميعاً، فما أن بدأوا بالأكل، إلا وأطبق عليهم الصمت، وظلّ شيخو كعادته واقفاً وهو يزودهم بين فينة وأخرى بصحن من الرز أو المرق أو أقراص من الخبز الحار. وحين تأكد أنهم قد هدءوا ثعابين الجوع في أحشائهم وبلغوا الذروة، انسحب بهدوء إلى الظلام ومد يده إلى جيبه ليلتقط الحجارة التي تم الاتفاق مع مروان على أن يرشق بها برج المراقبة، بيد أنه قبل أن يلتقطها سمع إطلاقات نارية تشق هدوء الليل بدويها الهائل، وظهر كريم راكضاً باتجاههم، وهو ما زال يطلق النار في الهواء ويصيح: "ولد، ولد، لقد أنجبت فاطمة ولداً وتمت الولادة بسلامة"، وفي هذه اللحظات مرّ شيخ أبيض يحمل عدة فوانيس ويمتطي حصاناً يكاد يطير من سرعة الجري، وصاح شيخو بصوت عال: الله أكبر، الله أكبر، هذا هو الولي بير داود. جمد كريم في مكانه، وكادت البندقية تسقط من يده، وقام الجميع من أماكنهم بصورة لا إرادية وهم يبسملون ويبحثون بعيونهم القلقة عن الشيخ الذي مرّ كالطيف واختفى في جنح الظلام... وقبل أن يعود الرجال إلى أماكنهم صاح مروان من برجه: تعالوا انظروا إلى هذه الأضواء التي تلمع في كل مكان، الله أكبر، الله أكبر... وهرع الجميع إلى السطح، وانبهروا حين رأوا خطاً طويلاً من الأضواء المتلألئة في الأفق. قال مروان وهو يتصنع الدهشة: لقد رأيته بأم عيني وهو يترك وراءه هذه الأضواء، وكان يلمع مثل النور، ثم صعد بحصانه إلى السماء بسرعة فائقة مثل شهاب واختفى".بين الواقعية والخيال تدور أحداث "أطول عام" التي تدور في عشيرة وادي كفران في وادي كفران التي أخذت اسمها منه. يتيح الروائي ومن خلال سردياته إمتاع القارئ بطبيعة تلك المناطق الكردية التي تأخذ مكانها بين الكهوف وفوق الجبال وبين الوديان كما أن الروائي يتيح للقارئ الوقوف على كثير من عادات وتقاليد تلك العشائر الكردية. رواية لطيفة لا بد وأن تأخذ مكانها في مجال الأعمال الروائية التي تميل إلى المضي إلى عمق المجتمع مشرعة النوافذ أمام شخوصه للتعبير عن كل ما لديهم من أفكار وآراء ومعتقدات وتوجهات. وذلك في مناخ روائي يشد القارئ من حيث صوره ومشاهده وسردياته.