تظل العمارة، تمثل ظاهرة حضارية نافذة، تستمد حضورها وتأثيرها من فعل الغايات المزدوجة التي تؤديها: فعل تحقيق النفعية الفطنة، وفعل ما يولده ذلكما التحقيق م شعور جمالي رفيع يكون مفعماً بالبهجة، والمفاجآت غير المتوقعة. والعمارة إلى ذلك هي الاختصاص المهني لمؤلف هذا الكتاب الدكتور خالد السلطاني، وفوق ذلك هي مهنته الوظيفية، تلك المهنة ا...
قراءة الكل
تظل العمارة، تمثل ظاهرة حضارية نافذة، تستمد حضورها وتأثيرها من فعل الغايات المزدوجة التي تؤديها: فعل تحقيق النفعية الفطنة، وفعل ما يولده ذلكما التحقيق م شعور جمالي رفيع يكون مفعماً بالبهجة، والمفاجآت غير المتوقعة. والعمارة إلى ذلك هي الاختصاص المهني لمؤلف هذا الكتاب الدكتور خالد السلطاني، وفوق ذلك هي مهنته الوظيفية، تلك المهنة التي تتطلب دائماً الاستعداد للتعريف بها، وتأشير مزاياها وخصائصها، وفهمها وإدراكها، والإحاطة بإنجازاتها وتياراتها، وبعبارة أخرى، فإن مهنته هي تدريس تلك المهنة، والسعي لتثبيت أسس انتشارها وحضورها في الفضاء الابستمولوجي/المعرفي الفسيح.من هذا المنطلق يأتي كتابه هذا الذي يحاول من خلاله تفسير العمل المعماري وإدراكه، وتأويله والاحتفاء به وبمصمميه كإبداع حقيقي وكمبدعين حقيقيين. وربما لاحظ القارئ بأن مواضيع الكتاب قد تكون متنافرة ومتباعدة، وربما غير منسجمة، فما الذي يربط مثلاُ بين تجليات عمارة "المسجد الأموي" بدمشق وبين عمارة "جامعة آل البيت" في بغداد، وبين هذه العمارة ومعطيات عمارة "جارلس كوريا" بالهند، أو خصوصية عمارة "الفار آلتو" الفنلندي؟ إلا أن المؤلف يرى بأن ثمة خيطاً متيناً يصل بين المواضيع المثارة المختلفة، وهذا الخيط يتحول إلى هاجس مفاهيمي ينطوي على جانبين؛ جانب مشبع برغبة "التأويل" للمنجز المعماري كخاصية أساسية لقراءة ذلك المنجز، والتأويل هنا: طبقات متعددة، ومديات واسعة من الفعل الاجتهادي. والجانب الآخر يشمل حضور المقارنات الدائمة لهذا المنجز مع التجربة الجديدة، أو مع "الآخر" في محاولة لعدم رضوخ المنجز المعماري لمجموعة من المسلمات أو القوالب والاقتصار عليها والاكتفاء بها. لهذا فإن المنجز المعماري يظل نصاً مفتوحاً تنبع أهميته من حداثة لغته التكوينية ومن مقدرته على إثارة تداعيات فكرية ناشطة وحقيقية قابلة للعيش مجدداً.سيجد القارئ في هذا الكتاب فصلاً مكرساً لمنجزات العمارة العربية-الإسلامية وفصل ثان يتناول موضوعاً معمارياً واحداً خاصاً بالعمارة العراقية الحديثة. أما الفصل الثالث من الكتاب، ففيه مواضيع متنوعة مثارة فيه، وهي متعددة ومتباينة في أهميتها ومرجعيتها. والهدف تكريس ظاهرة ثقافية نقدية، لها حضور في السلوك الثقافي العربي، وهي وجوب الاهتمام بالمنتج المعماري كونه حديثاً ثقافياً وحضارياً في آن، كما ينبغي لزوم الاعتناء بالمصممين ذاتهم، خالقي هذا المنتج ومبدعيه.