في صيف 1926 استقبلت مصر الأمير سعود بن عبد العزيز آل سعود ولي عهد نجد والحجاز، بدعوة رسمية وجهها الملك فؤاد إلى السلطان عبد العزيز إينذاك قبل إعلانه الملكية في نفس العام، وقد رافق القنصل المصري بجدة الأمير سعود خلال رحلته من جدة إلى القاهرة. وكان على رأس المرحبين بولي العهد، الزعيم المصري سعد باشا زغلول رئيس مجلس النواب، وذلك بم...
قراءة الكل
في صيف 1926 استقبلت مصر الأمير سعود بن عبد العزيز آل سعود ولي عهد نجد والحجاز، بدعوة رسمية وجهها الملك فؤاد إلى السلطان عبد العزيز إينذاك قبل إعلانه الملكية في نفس العام، وقد رافق القنصل المصري بجدة الأمير سعود خلال رحلته من جدة إلى القاهرة. وكان على رأس المرحبين بولي العهد، الزعيم المصري سعد باشا زغلول رئيس مجلس النواب، وذلك بمقر دار الضيافة بالمنيرة.وقد صاحب الأمير سعود في تلك الرحلة حافظ وهبة المستشار الرئيسي للسلطان عبد العزيز بالإضافة إلى عدد من رجال السلطنة النجدية الحجازية. كان الدافع من الزيارة أولاً إجراء عملية جراحية في عين الأمير سعود، أجراها له الطبيب سليمان باي هداوي مدير القسم الطبي في إدارة الأوقاف المصرية، أما السبب الثاني هو محاولة إزالة ما علق في نفوس المصريين من جراء وقعة الاعتداء على المحمل المصري في مني بالأراضي المقدسة، وثالثاً دعوة الأمير السعودي النخب الفكرية والسياسية وأصحاب الرأي من المصريين لزيارة الأراضي السعودية والإطلاع على مستجدات الأمور هناك.حاول الأمير خلال زيارته لمصر على عودة الود والصفاء بين الشعبين المصري والسعودي وساعده على ذلك عدد من رجال السياسية والصحافة على رأسهم سعد زغلول والدكتور محمد حسين هيكل رئيس تحرير جريدة السياسة، إلا أن السلطة المصرية ويمثلها الملك فؤاد، كانت لا ترغب في تدعيم الخلافات الحميمة بين البلدين، بل كانت تقيم العقبات الواحدة تلو الأخرى أمام رغبة الأمة المصرية في تسوية العلاقات مع الدولة السعودية الجديدة، حيث حاول سعد زغلول ولم يفلح وحاول من بعده عدلي يكن ولم يفلح، مع أن الخلاف لم يكن راجعاً في الأساس إلى مسائل ذات صفة عامة، بل كان راجعاً إلى اعتبارات شخصية متصلة بمقامات سامية يصعب أمر التفاهم معها، إلا وهي رجوع الملك فؤاد إلى أسرة محمد علي باشا ذات الجذور العدائية مع آل سعود.ذكر الدكتور هيكل على لسانه ما قال "أن من الإنصاف أن نقول أن الصعاب التي تعتري علائق مصر والحجاز ترجع إلى ما قبل عهد الوزراء الصدقية لأسباب لا تعرفها مصر والحجاز".في ذلك الجو جاءت زيارة الأمير سعود الذي دعى المفكرين المصريين لزيارة بلاده واستطلاع شؤونها وتقريب وجهات النظر بين الشعبين وقد لبي عدد غير قليل من الصحفيين والمفكريين تلك الدعوة وفي مقدمتهم الأديب محمد شفيق مصطفى المندوب في صحيفة السياسة إحدى أكبر الصحف المصرية في ذلك العهد.والجدير بالذكر أن جريدة السياسية أنشئت في 31 أكتوبر 1922م وكانت الجريدة الوحيدة التي تشترط أن يكون المحررين والمندوبين أيضاً من حملة الشهادات العليا وأغلبهم كان من الحقوقيين وكان رئيس تحريرها الدكتور محمد حسين هيكل، وقد أظهرت تلك الجريدة المعارك الكبيرة، في مجال الفكر والسياسة، كما حملت أفكار حزب الأحرار الدستوري الذي ظهر كإنشقاق فكري وسياسي على التنظيم الوفدي الذي أحدثته ثورة 1919 وقائدها سعد باشا زغلول.وبذلك يكون صاحب رحلتنا في قلب نجد والحجاز، أول دبلوماسي صحفي مثقف قام بزيارة دبلوماسي غير رسمية لتحسين الأجواء بين البلدين مصر والسعودية، حيث نشر رحلته في جريدة السياسية على عدد من المقالات المتتابعة وقد شاهدت تلك المقالات استحسان الشعبل المصري الذي عرف الكثير عن أحوال الشعب السعودي الشقيق ذلك مما دفع محمد شفيق لإعادة النشر عام 1927 في كتاب خاص يحمل اسم رحلة في قلب نجد والحجاز، طبع في مطبعة المنار بالقاهرة.وبعد أن عطلت جريدة السياسة عام 1930م استمر الأديب محمد شفيق مصطفى في عمله الدبلوماسي الصحفي حيث أنشأ جريدة تحمل اسم الرياض عاصمة الدولة السعودية وكتب على شعار الصحيفة ما نصه "جريدة الرياض لسان حال النهضة الحجازية النجدية". واحتوت بين دفتيها الأخبار والمقالات الهامة عن الأراضي السعودية والحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية واستمر إصدار تلك الجريدة بين عامي 1349-1351هـ، ونشر الأديب محمد شفيق مصطفى رحلته للمرة الثالثة في جريدة الرياض، وقد كان مقر جريدة الرياض في حي العباسية بالقاهرة وقد كانت جسر للعلاقات السعودية المصرية وقامت بمقام أول ملحقية ثقافية سعودية بالقاهرة.وفي هذا الكتاب تحقيق لتلك الرحلة بعد عمل دراسة علمية لها لأهميتها كمصدر من مصادر الجزيرة العربية في عهد الملك عبد العزيز آل سعود حيث تغطي الرحلة فترة زمنية ما زالت تحتاج للمزيد من الأبحاث والدراسات لسرعة التطورات السياسية من ناحية ولأهمية المناطق التي زارها الرحالة خاصة المناطق الشمالية من ناحية أخرى.وتعتبر الرحلة شاهد عيان لتلك الفترة حيث شاهد الرحالة بعينه وأجرى بنفسه عدد من المقابلات الشخصية من أهمها مقابلته مع الملك عبد العزيز آل سعود وولي عهده الأمير سعود ونائبه على مكة الأمير فيصل بن عبد العزيز إلى جانب عدد من أمراء المناطق، وعبد العزيز بن مساعد بن جلوي، ومبارك بن مبيريك" أضف إلى حديثه عن الأميرة نورة شقيقة الملك عبد العزيز الكبرى.كما اطلع محمد شفيق في رحلته عن مرافقته للطيب بك الهزازي رئيس ديوان جلالة الملك ابن سعود أثناء سفره من الرياض إلى مكة المكرمة.كما أسهمت الرحلة في الناحية الجغرافية حيث صاحبها ثراء معلوماتي عن البلدان التي مر عليها محمد شفيق خلال رحلته والمسالك بين مصر والأراضي النجدية حيث أوضح أن الطريق الذي سلكه من عمان عاصمة شرق الأردن إلى حدود الأراضي السعودية، وهي قريات الملح ووصف الطريق بأنه صحراوي طوله حوالي 400 كيلو متر والمدة بالسيارة حوالي يوم كامل في ذلك الوقت عام 1926م، ثم أوضح الطريق الذي سلكه من قريات حتى الرياض ثم من الرياض، إلى مكة المكرمة ومن مكة المكرمة إلى جدة.