يعد هذا الكتاب بمثابة مسح شامل للعلاقات الصينية الإيرانية، ولا تغيب عنه كذلك ثنائية العلاقات الصينية الأمريكية، التي ذهب الباحث إلى أنها شكلت -ولاتزال- نوعية العلاقات بين بكين وطهران.يبدأ الكتاب بسبر معمق في باطن روح العلاقات الصينية-الإيرانية، مما يضطره إلى تقديم قراءة للتراث الحضاري لكلا الشعبين وتصوراتهما عن القوة والعزة والآ...
قراءة الكل
يعد هذا الكتاب بمثابة مسح شامل للعلاقات الصينية الإيرانية، ولا تغيب عنه كذلك ثنائية العلاقات الصينية الأمريكية، التي ذهب الباحث إلى أنها شكلت -ولاتزال- نوعية العلاقات بين بكين وطهران.يبدأ الكتاب بسبر معمق في باطن روح العلاقات الصينية-الإيرانية، مما يضطره إلى تقديم قراءة للتراث الحضاري لكلا الشعبين وتصوراتهما عن القوة والعزة والآخر والمستقبل. ويسجل الكتاب، علاوة على التاريخ السحيق للعلاقات بين الشعبين، أن من العوامل التي ساعدت الدولتين على التقارب تصورهما الحديث المشترك لما تعرضا له من ذل وهوان ومؤامرات من "الآخر" - مستعمِرين وغزاة ومتآمرين - بهدف عرقلة نهوضهما. ثم ينتقل إلى طبيعة العلاقات التي كانت قائمة بين جمهورية الصين الشعبية ومملكة إيران، والهزات التي عرفتها تلك العلاقات بعد الثورة الإيرانية، بسبب التردد الصيني بادئ الأمر في الاعتراف بالثورة التي أطاحت بالملكية؛ ويوضح الكتاب كيف أحسنت الصين استغلال شهية إيران المفتوحة على السلاح الصيني خلال الحرب العراقية الإيرانية، وطبيعة علاقات الدولتين بعد الحرب الباردة، وكيف تطور التعاون بينهما بشكل ملحوظ ليشمل من جهة مجالات الطاقة والاقتصاد، حيث قطع التعاون بينهما في هذين المجالين أشواطاً بعيدة آخذة في التصاعد، ومن جهة ثانية مجالات استراتيجية طالما وضعت الصين في حرج أمام المجتمع الدولي، خاصة فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، وغيره. ويرى الباحث أن توقف الصين عن دعم تلك البرامج التسلحية الحساسة كان إحدى الخطوات السياسية المهمة التي قامت بها بكين في تسعينيات القرن الماضي؛ رغبة منها في أن تحظى بالقبول كقوة مسؤولة مؤهلة لدخول حظيرة المجتمع الدولي والارتقاء إلى مصاف الأمم الرئيسية في العالم.وبعد استعراضه العلاقات الصينية مع محيطها الجيوسياسي، يتساءل الكاتب: أين في آسيا - إذاً - سيمكن لبكين إيجاد شركاء لها فيما هي ماضية على طريق "النهوض السلمي"؟ هنا، تبرز إيران من بين القوى ذات الشأن لتشكل أكثر الفرص ملاءمة بالنسبة للصين. وكما أظهر هذا البحث، فإن المحللين الصينيين لم يعثروا في السجل الطويل لعلاقات البلدين على أي حالة من حالات الصراع المسلح بين الدولتين الصينية والفارسية، بل اكتشفوا الكثير من أمثلة التعاون التي ارتكزت على تبادل المنافع، بما في ذلك النقاط التي التقت فيها من حين لآخر المصالح الاستراتيجية للبلدين.وفي نظرة تاريخية أبعد إلى مدى التعاون الصيني-الفارسي، يبدو جلياً أنه في القديم كان موجهاً ضد قبائل الشيونجنو، وضد العرب في مطلع القرون الوسطى، وربما اتخذ مستقبلاً قوة أخرى هدفاً له. وعلى هذا، فإن مضمون التعاون بين الصين وفارس، والخصم الذي يستهدفه ذلك التعاون يكونان عادة مؤقتين ويتغيران بتغير الأوضاع، ولكن مبدأ التعاون ذاته هو العامل الجوهري هنا وهو الذي سيكتب له البقاء والديمومة. وبتعبير آخر، فإن العلاقات الصينية-الإيرانية تقوم من حيث الأساس على السعي لامتلاك القوة والنفوذ.