"دنت أخيراً من بورتريه دوللي. وشعرت بشيء من الخيبة. فقدت اللوحة الكثير من سحرها. مرة أخرى لمحت وميضاً في العينين المنعكستين وأيضاً ثمة ما يشي بالامتنان أو التواطؤ بيد أن الوميض سرعان ما خبا... استمعت بترا لبعض الأغاني ومن ثم توجهت نحوها. "جئت لأودعك وأشكرك". مرت سيدة بارما البنفسجية يدها السمراء النحيلة. خفضت رأسها وقبلتها. "عشن...
قراءة الكل
"دنت أخيراً من بورتريه دوللي. وشعرت بشيء من الخيبة. فقدت اللوحة الكثير من سحرها. مرة أخرى لمحت وميضاً في العينين المنعكستين وأيضاً ثمة ما يشي بالامتنان أو التواطؤ بيد أن الوميض سرعان ما خبا... استمعت بترا لبعض الأغاني ومن ثم توجهت نحوها. "جئت لأودعك وأشكرك". مرت سيدة بارما البنفسجية يدها السمراء النحيلة. خفضت رأسها وقبلتها. "عشنا قصة أشبه بحكايات السحر". "أجل". عادت أصابعها لتنقر على الأوتار وشرعت تغني بالإسبانية من جديد: "كان في قديم الزمان...". شعرت بترا بقشعريرة تسري في مؤخرة عنقها وحبيبات العرق تبلل كفيها. "ماذا تعني هذه الكلمات؟" سألتها رغم معرفتها المسبقة للجواب. "في قديم الزمان، كان ثمة ذئب طيب تعامله الخراف بوحشية. كان أيضاً ثمة أمير شرير، ساحرة رائعة الجمال وقرصان محترم". "من كتب الكلمات؟" "جوسيه أغوستين غويتيز ولو. أكبر الأشقاء غويتيز ولو الثلاثة". "إذاً لا يزال على قيد الحياة؟". "آه، أجل". "إذاً، من المستحيل أن يكون كتبها في العام 1936". ابتسمت سيدة بارما البنفسجية وهزّت كتفيها استهجاناً. "بالطبع إذ أنه لم يكن تجاوز السابعة من عمره آنذاك، على ما أعتقد". تابعت غناءها. "وماذا يعني هذا المقطع الأخير؟". كل هذه الأمور تنتمي إلى زمن كنت فيه أحلم، أحلم بعالم ينقلب رأساً على عقب"."آه". لم يكن الأمر ذا شأن يذكر، قالت لنفسها وهي تتابع طريقها منطلقة باتجاه غرناطة، أوروبا ولندن، ليس بمهم أن تكون كلمات أغنية ماري، إيلينا هي الكلمات نفسها التي ردّدتها ماريا دو لوريس وهي تروي لدايفيد حكاية، فيما يختبئان من الأسد الزائر داخل حجرة الملابس. لم يكن مهماً على الإطلاق. في الواقع لم يعد أي شيء ذا شأن. ابتسمت لنفسها ابتسامة عريضة، عثرت على الشريط الذي تبحث عنه. أدخلته في مسجلة السيارة، وكان مقطوعة لمونتغردي! الحرية".في روايته "علاقات حميمية" يتجاوز الروائي حدود المألوف كما تتجاوز شخصياته المحورية بأصواتها الأوبرالية حدود المألوف. يقحمك الكاتب في أجواء تحلق من خلالها معه في أجواء موسيقية تعود بك إلى زمن الفن الرائع. بتهوفن، مونتغردي، موزارت، شوبان... ومعزوفات، وغناء ينسجم في أجوائه دافيد وبترا الأستاذ والتلميذة، المغني العالمي وخليفته. يأخذك الكاتب إلى عوالم ذاك الفن، فاتحاً المجال أمامك لاقتناص ثقافة موسيقية، والأجمل من ذلك ذاك الإحساس الذي ينتابك، والكاتب يصف لحظات ارتفاع الريتم الموسيقي لدى أبطاله وهم يصدحون بمقاطعهم، أو وهم يعزفون على أوتار قيثاراتهم.. إلا أن الروائي وبواقعيته وطئ عالم علاقات قامت بين أبطاله وبعض الشخصيات الأخرى هي حميمية إلى درجة الغثيان".