كان ألكسي دو توكفيل من أوائل الذين أدركوا عظمة المشروع الأمريكي ونادوا به من غير الأمريكيين، وفي رائعته «الديموقراطية في أمريكا» التي نشرت في جزأين عام ١٨٣٥ لم يقدم فقط وصفًا دقيقًا للدولة التي كانت آنذاك دولة جديدة وإنما تنبأ بما ستصير إليه تلك الدولة. وترجع مكانة توكفيل الراسخة في التاريخ الأمريكي إلى بصيرته النافذة وأفكاره ال...
قراءة الكل
كان ألكسي دو توكفيل من أوائل الذين أدركوا عظمة المشروع الأمريكي ونادوا به من غير الأمريكيين، وفي رائعته «الديموقراطية في أمريكا» التي نشرت في جزأين عام ١٨٣٥ لم يقدم فقط وصفًا دقيقًا للدولة التي كانت آنذاك دولة جديدة وإنما تنبأ بما ستصير إليه تلك الدولة. وترجع مكانة توكفيل الراسخة في التاريخ الأمريكي إلى بصيرته النافذة وأفكاره السياسية التي بقيت عبر الزمن، ويعد تأريخه لنشأة أمريكا جزءًا ثابتًا في أي منهج دراسي يتناول التاريخ الأمريكي. وقد تحققت معظم نبوءاته التي تشي ببعد النظر والتي تناولت الحياة السياسية الأمريكية — من تأثير الطائفة الإنجيلية حتى ظهور «المجتمع الاستهلاكي» — ومن المثير أنها تحققت وفقًا للبرنامج الزمني الذي حدده.ومع ذلك فلم يكن لدى توكفيل في عصره أدلة كافية تثبت صحة أفكاره، وكان يفتقر إلى مقومات شخصية المفكر بعيد النظر؛ فقد كان منطويًا على نفسه ومعتل الصحة وميالا إلى التشكك في قدراته الخاصة. ويبرهن جوزيف إبستين — أبرع كتاب المقالات الأمريكيين — على أنه أقدر من يكتب عن سلفه، فهو يعرض المآثر الفكرية لتوكفيل بأسلوب رائع يحمل بين طياته الفكاهة، ويلقي الضوء على تطوره الفكري، ثم يقدم استطلاعًا للرأي حول نبوءاته المختلفة (كان سجله أبعد ما يكون عن الكمال، فقد كان يظن أن الحكومة الفيدرالية سوف تؤول إلى الزوال عندما تزداد سلطة الولايات). يرسم هذا الكتاب صورة إنسانية لهذا الرجل الفرنسي الذي صار رمزًا أمريكيًّا.