يتضمن هذا الكتاب رواية للروائي الأردني المعروف "جمال القيسي" بعنوان "الخيط الأسود".وفي هذه الرواية ينشغل "القيسي" بالواقع اليومي البسيط جداً لتاريخ بلاده الاجتماعي قبل أن تدخل الحداثة إليها. وراح يقرأ هذا الواقع من خلال مقاربة تاريخية - اجتماعية أراد المؤلف من خلال تجسيده لشخصية بطل الرواية "أبا سليمان" أن يعبّر عن سيطرة الاعتقا...
قراءة الكل
يتضمن هذا الكتاب رواية للروائي الأردني المعروف "جمال القيسي" بعنوان "الخيط الأسود".وفي هذه الرواية ينشغل "القيسي" بالواقع اليومي البسيط جداً لتاريخ بلاده الاجتماعي قبل أن تدخل الحداثة إليها. وراح يقرأ هذا الواقع من خلال مقاربة تاريخية - اجتماعية أراد المؤلف من خلال تجسيده لشخصية بطل الرواية "أبا سليمان" أن يعبّر عن سيطرة الاعتقادات الدينية والماورائيات على عقول الناس وأذهانهم في تلك الفترة من الزمن والتي لا زالت آثارها باقية حتى عصرنا الراهن في بعض المجتمعات العربية.يظل الروائي يتابع مسيرة أبطال روايته ليرينا من خلالهم طبيعة ذلك المجتمع البدائية والساذجة يقول عنهم: "مقومات نجاحهم بسيطة وساذجة، وليس سوى العزم الأكيد، والحلم الحبيب حاديهم لتحقيق هدفهم؛ وهو استخراج الذهب الكامن في جوف مغارة أبي سليمان - والد يوسف -، المجاورة لبيتهم الكبير الذي بناه والده قبل موته، بعد خمسين عاماً من أعمال السحر، وحُجُب المحبة، ورقي الحفظ من الحسد والعين، وقراءة الطالع...".إن "القيسي" في روايته هذه لا يكتفي عند حدود الكشف الواقعي، والتناقضات التاريخية والاجتماعية وحسب بل يعمل على أن يغوص في تحليلات سياسية وجوهرية للعملية الزمنية وصيرورة الحياة ودورانها، وانعطافاتها وخلود عناصرها الأساسية، ففي الجزء الثاني من الرواية يأخذنا الروائي إلى تقصي أسباب الصراع وتدفق أيديولوجيات ما بعد الحداثة وتأثيرها على بنية مجتمعاتنا العربية وما لعبته هذه الأفكار في تحريك الأفكار الراكدة في أعماق شخصيات الرواية في بحثهم عن الحياة الفضلى حيث يتساءل "واصل" إحدى شخصيات الرواية التي يمثل الواقع الراهن: "هل من تغيير قادم؟ كأني على شفا جرف اليأس، وعلى شفير انتهاء حكاية حياتي، كأن جوهر وأساس ولبّ الحكاية انتهى وانقضى، ولم يتبق سوى القشور والأصداف. في عصر ثورات العلم والمعرفة، وهيمنة الصورة، واجتياح الحدود والعقول، تزعزع الإيمان وتزلزلت القناعات، بل وانفرط عقد الأمان الاجتماعي، وبزغت فردانية الذات وتقوقعها. الوشائج الحميمة هلكت، والأواصر العذبة بادت، وها أنا أعيش على صدى وقعها الماضي، وأعاين قبح الحاضر ولامعقوليته. (...) ما أزال على قديم اعتقاد بأني واصل الصغير الذي حافظ على أصالة جوهرية، ولم يتخلص إلا من المؤذي لإنسانيته، والجارح لقناعاته". "الخيط الأسود" رواية ممتعة وهادفة في آن، متعددة الصور، والمحطات، ينقل الروائي عبرها إشكاليته النقدية الخاصة وتحليله الجذري لثقافة عصر ما قبل الحداثة، فأفلح بتصوير مراحل تطور الذهنية المعرفية للإنسان العربي كجزء هام من منظومة أعمق في السير التطوري للبشرية بشكل أعم وأوسع..
