يظل لورنس في ذهن الرأي العام البريطاني، سواء في بريطانيا أو في الخارج، واحداً من أعظم المشاهير الإنكليز في عصره. ولكن على الرغم من ذلك حامت الشكوك، منذ الخمسينات حول إنجازاته الحقيقية، كما تحدى بعض الكتاب أساس شهرته برمتها. وفي عام 1962 تغيرت صورة لورنس على نحو جذري بسبب الفيلم السينمائي الذي أخرجه ديفيد لين تحت عنوان "لورنس الع...
قراءة الكل
يظل لورنس في ذهن الرأي العام البريطاني، سواء في بريطانيا أو في الخارج، واحداً من أعظم المشاهير الإنكليز في عصره. ولكن على الرغم من ذلك حامت الشكوك، منذ الخمسينات حول إنجازاته الحقيقية، كما تحدى بعض الكتاب أساس شهرته برمتها. وفي عام 1962 تغيرت صورة لورنس على نحو جذري بسبب الفيلم السينمائي الذي أخرجه ديفيد لين تحت عنوان "لورنس العرب" واستمرت هذه العملية بعد ذلك مع صدور عدد من السير الذاتية الحساسة له، إلا أن العديد منها كان تأملياً بشكل كبير، وعلى الرغم من ذلك فإن الكتاب اللاحقين عالجوا المقترحات غير المثبتة على أساس أنها حقيقة تاريخية، وأضافوا من عندهم توقعات أخرى. لذلك فقد جرى ابتداع تراكمات عديدة بهذه الطريقة أضفت صبغة خيالية على حياة لورنس. ويمكن تلخيص ذلك على نحو تقريبي بما يأتي: أنه ابن غير شرعي لإمرأة متدينة بهوس تهيمن على أطفالها وقد اعتنى به في طفولته المبكرة معلم واثق من نفسه هو د.ج هوغارت، وأشبع بوجهات نظر امبرياليه وأرسل إلى كركيش من أجل تدريبه كجاسوس مدرب، وانخرط في الثورة العربية مدفوعاً بمشاعر امبريالية (أوروبا بدوافع موالية للعرب، أو للصهيونية)، ثم اغتصب جنسياً في درعا (أو أنه اخترع هذه القصة برمتها)، وتعطشاً لدماء الأتراك في قرية طفس اشترك في الخيانة السياسية بمؤتمر السلام، وعمل في وزارة المستعمرات تحت إمرة تشرشل، حيث خدع في تلك الفترة كل واحد (أوروبا اعتبرت تلك مناورة من كل واحد) ثم خدم في الجيش وسلاح الجو ليتخلص من كل ذلك. وانغمر في دوافع ماسوشيه - أبرزت لديه ميولاً جنسية شاذة - وسعى إلى إيجاد أم بديلة في السيدة برنارد (شارلوت) شو ومن ثم قتل في حادث غامض لأسباب لا يمكن معرفتها. هكذا قدم الكاتب الصورة المزروعة في الأذهان حول لورنس العرب، إلا أنه يلخص إلى القول بأن أخطاء الحقيقة والتفسير في هذه التعتيمات أصبحت واضحة لأي مطلع على المصادر المنشورة، ولكن بمعزل عن حفنة محتجين من المطلعين المختصين، فإن القصص والروايات المثيرة نادراً ما جرت مواجهتها وتحديها. مضيفاً بأنه وعلى ما يبدو أن تشكك الشخص العادي قد بدّد بنوعية الإدّعاءات الغربية والشاذة، ولم يعد العامة يعملون ما يجب أن يصدق وما يجب ألا يصدق، ونتيجة لذلك فإن العديد من الناس الجادين قد توصلوا إلى إعتبار موضوع لورنس حساساً؛ إن لم يكن بغيضاً. والمؤلف إلى هذا يرى بأن مثل هذا الحال يمكن أن تكون مقبولة لو لم ينجز لورنس أي شيء وإذا لم تشتمل حياته على أية أهمية تاريخية، ولكن على الرغم من الإدعاءات الرامية إلى الإنتقاص من شأنه، فإنها ليست قضية بحد ذاتها، فحتى في أدنى درجات الإنتقاص لا يمكن أن تنسى إنجازات لورنس إذ أن أشد منتقديه حدة يعترف بأنه لعب دوراً على جانب في الأهمية حينما كان يخدم بصفة ضابط إتصال بريطاني خلال الثورة العربية، بالإضافة إلى إنجازاته العسكرية والأدبية. من هنا يرى المؤلف أهمية السعي للكتابة سيرة لورنس الذاتية ولكن بعد التحقق من خلال الوثائق والأرشيف وغيرها من الوسائل للوقوف على سيرة لورنس الحقيقية. لذا كان أول هدف لبحثه في تفاصيل هذه السيرة جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات المعاصرة والعودة إلى الوثائق الأصلية دون الإكتفاء بالملاحظات التي دورت حولها، ويقول أنه عل الرغم بأن العديد من الأشخاص كانوا سيفضلون روايته للسيرة الذاتية للورنس أن تكون تفسيراً لحياته؛ إلا أنه فضل أن تكون عبارة عن دراسة لبحث تاريخي دقيق. لقد استطاع المؤلف كتابة سيرة مروية لحياة لورنس عبر فيها عن استنتاجاته بكلماته تماماً.