بجهد من الواقعية والموضوعية، اكتشف التحليل العلمي الفكر بكل ما فيه من تعقيد في مظهره العضوي بعد أن كان قد استبعد فكرة كونه نتاجاً مادياً للدماغ. ولقد بدأنا نعرف اليوم كيف إن باطنيتنا الغامضة تتعلق بدماغنا وكيف أن تنظيمها مادياً كثير التعقيد يستطيع من الوجهة الوظائفية، أن يحدث الروحانية دون أن تفقد هذه الروحانية شيئاً من نوعيتها....
قراءة الكل
بجهد من الواقعية والموضوعية، اكتشف التحليل العلمي الفكر بكل ما فيه من تعقيد في مظهره العضوي بعد أن كان قد استبعد فكرة كونه نتاجاً مادياً للدماغ. ولقد بدأنا نعرف اليوم كيف إن باطنيتنا الغامضة تتعلق بدماغنا وكيف أن تنظيمها مادياً كثير التعقيد يستطيع من الوجهة الوظائفية، أن يحدث الروحانية دون أن تفقد هذه الروحانية شيئاً من نوعيتها. فتدرك الآليات المكوّنة للشخصية والتي تتيح لنا أن نرتفع في التفكير إلى حدّ ما فوق ذواتنا ونصل إلى مدلول التمييز بين الروح الموجّه والجسم المبلّغ والموجّه. وأن يعزي إلى عضو مادي هو الدماغ مثل هذه الوظيفة، قد يبدو مع ذلك مؤقفاً مادياً من الناحية الفلسفية، معناه أن ينسب إلى الجسم ما كان للتنفس.وفي الواقع أن مادية العلم الظاهرة هذه التي تعثر على جميع الأبعاد الطبيعية للروحانية إنسانية وتجعلها موضوعية، مرغمة كل عالم أن يقبل بها، أيّاً كان موقفه الفلسفي، هي موقف واقعيّ صرف، وهي لا تتضمن إلا رفض التفريق بين ما هو ماديّ وما هو روحاني في الجسم، كما كان يفعل المذهب الآلي الماديّ القديم والمذهب المثالي. الروحاني على السواء.وضمن هذا الإطار يأتي البحث في كتاب "دماغ الإنسان" حيث يعرض المؤلف كيف أصبح من الممكن انطلاقا من الفيزيولوجية العصبية للدماغ، تكوين علم نفس فيزيولوجي فينيقي يجعل موضوعياً ما هو أكثر ذاتية فينار أي باطنيتنا وشخصيتنا الحرّة، ونفس كيف يتيح لنا دماغنا التفكير والوجدان والحرية. يهتم المخلف أولاً بالعمل الطبيعي للدماغ، أمّا على الصعيد التحليلي، حيث الدماغ عضو الفكر الإنساني، أو على الصعيد التناسقي حيث الدماغ عضو الوجدان المنعكس والقدرة على الحكم وعلى القيام بالعمل الحرّ المقصود، ليبين من ثم كيف يتكون هذا لدماغ وكيف يصبح عامل تقدم تطوري لتعقيد متزايد، وكيف يجعل من الممكن الوثب الثقافي والاجتماعي للتطور، ليقوم بمقارنة هذه الوظيفة الدماغية بوظيفة آلات التفكير (السيبرنتية).منهياً البحث بدراسة مختلفة مظاهر الأمراض الدماغية دون أن ينسى ما يمكن تسميته بعلم مراض السلوك الخلقي أي علم أمراض الجهل والتبعة، أي الخطيئة، حيث يدخل الفرد السليم من الوجهتين التشريحية والفيزيولوجية خللاً في توازن دماغه لعدم استعماله إياه استعمالا إنسانياً فيزج قدرته على الوجدان والحرية في آليات ينزلق منها إلى حالات غير طبيعية وإلى اختلال في التوازن، وبالتالي إلى ما ليس بإنساني.