تزدحم الساحة الإعلامية العربية بحشد من الفضائيات العربية ذات الطابع الإخباري أو الترفيهي أو الديني، وظهرت هذه الفضائيات وتطورت في السياق الإقليمي المحموم من أجل الوصول إلى أذهان البشر، والإسهام الفاعل في تكوين أنساقهم المعرفية والفكرية والقيمية والسلوكية. ويمكن فهم هذا السياق الإقليمي في ضوء السياق الكوني الذي يرى أن ساحة الصراع...
قراءة الكل
تزدحم الساحة الإعلامية العربية بحشد من الفضائيات العربية ذات الطابع الإخباري أو الترفيهي أو الديني، وظهرت هذه الفضائيات وتطورت في السياق الإقليمي المحموم من أجل الوصول إلى أذهان البشر، والإسهام الفاعل في تكوين أنساقهم المعرفية والفكرية والقيمية والسلوكية. ويمكن فهم هذا السياق الإقليمي في ضوء السياق الكوني الذي يرى أن ساحة الصراع وميدان الرهان هو كسب أذهان البشر، وإن للإعلام ولاسيما الفضائي منه دوراً حاسماً في هذا المجال. ويهتم الكتاب بالنسق الثقافي الذي تبثه الفضائيات، وتؤثر فيه على مجمل حياة البشر فتغير من قيمهم وأساليب معيشتهم وحتى نظرتهم إلى أنفسهم في مقابل العالم الواسع. وإذا كانت "المعرفةقوة"، فأن أجهزة الاتصال والإعلام هي المسؤولة عن منح هذه القوة او حجبها، فهناك عولمة للمعلومات واحتكارها من قبل المنتجين، وعولمة لأنماط الحياة عن طريق الترويج لها في وسائل الأعلام "سواء بوعي أو من غير وعي"، وعولمة للثقافة، وعولمة للقيم. وابرزمظاهر العولمة هي ظهور سلع غير ملموسة وغير متعارف عليها سابقا كسلع مثل الأفكار والتصميمات ومنتجات أخرى لا تبدو في شكلها الخارجي سلعاً تسمى "بالصناعات الابداعية" وحاملة لهوية وقيم الثقافة التي تنتجها، وتهتم بزيادة الإنتاج الثقافي مع قلة في التكلفة مع زيادة في الربحية والمزيد من التوزيع غير المتكافئ، وفي مجالنا هذا، صناعة الإعلام في يد فئة صغيرة من الرأسماليين. فتكمن الإشكالية في كيف نوفق بين التجاري حتى يتواصل المشروع الإعلامي وبين أهداف المؤسسة الإعلامية، فأصبح التحدي الحقيقي اليوم امام الدول الصناعية قبل النامية هو مواجهة مضمون العولمة وليس أدوات العولمة الممثلة في أجهزة الاتصال الحديثة. وشهدت السنوات العشر الأخيرة حركة نشطة في مجال حقوق الإنسان الأساس ولاسيما حقه في المواطنة ومفهوم المواطنة الذي يعدّ من المصطلحات الجديدة، على الرغم من قدمه، في منطقتنا العربية لانه وحتى وقت قريب والى الان في دول عربية عدة يستخدم تعبير"رعايا" بدلاً من "مواطني" الدولة. وقد توغل البعض في الحديث عن دور وسائل الإعلام ولاسيما القنوات الفضائية منها في خلق وعي أكبر بهذه الحقوق. فقد كان من الممكن ان تؤدي وسائل الاعلام دوراً مهماً في جملة هذه التحولات عبر خلقها فضاءً فسيحاً تتصارع فيها الأفكار والمبادئ بحيث توفر للمواطن المعلومة التي تشكل هنا عامل قوة لاسيما في مجالات كحقه في المواطنة وما يترتب على ذلك من حقوق أخرى. وينظر المهتمين بكثير من القلق للتحولات السريعة، الناتجة عن عولمة الاقتصاد، وفي ملكية وسائل الإعلام، ومدى انعكاس ذلك على سياسات هذه المؤسسات وعلى مضمون المواد التي تقدمها. ويمكن وصف المواد الإعلامية في عصر العولمة بأنها قد تحولت الى سلعة، ومادة للاستهلاك، وتوحيد الثقافات في ثقافة واحدة وبذلك تهمش من أصوات الاقليات والثقافات المختلفة. وسوف تتعرض للمرة الأولى في التاريخ ثقافات الماضي الى التحدي، ليس من قبل ثقافة عالمية فحسب، وانما ثقافة اقتصادية، فالثقافة المعاصرة هي السلعة التي تباع جيداً. وقد أصبحت "الصناعات الابداعية" أي الثقافة والخدمات الأخرى التي تصاحبها أكبر صناعة عالمية ألان، فعلى سبيل المثال تبلغ قيمة صادرات الولايات المتحدة الأمريكية من الأفلام والبرامج التلفزيونية بالدولارات ضعفي صادراتها من الطائرات. وتتحكم الفضائيات بالمنظومات القيمية للمجتمعات في إنتاج الأشكال المختلفة للأفعال الاجتماعية، لذلك فإن عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو يتحدث عما يسميه "بناءالعقول"، والمقصود هو أن عملية بناء العقل تستند إلى مجموعة من القيم، يتم اختيارها وابتكارها وترتيبها وفق النسق القيمي المراد تجذيره في العقل ومن ثم في القاعدة السلوكية. ولكن على الرغم من أن كل ثقافة تحمل منظومتها القيمية التي تميزها، فإن مشروع العولمة قد نجح في جعل حجم القيم المشتركة للمجتمعات اليوم أكبر، فضلاً عمّا يمليه توسيع دائرة المشترك من توسيع دائرة الصراع بين النماذج القيمية وأحيانا تصادمهما، بعدّ التصورات المختلفة للقيم قادرة على بلوغ حالات متقدمة وخطيرة من الصدام والمواجهة. وتمثّل بعض البرامج في القنوات الفضائية العربية انعطافاً حاسماً في مسيرة الإعلام العربي، بتقديمها "الاعلام البديل" وشكلت نقلة نوعية في مستوى الأداء الإعلامي العربي. وبات مؤكداً أنها تشكل واحدة من أهم معالم الخريطة الإعلامية العربية. فقد استطاعت أن ترفع سقف الممكن إعلامياً، وأن تقدم برامج تقوم على أسس مهنية احترافية، وايضاً تقديم أطراً جديدة للبرامج تحاول أن تقدم الحدث انطلاقاً من القوة الذاتية للحدث ودلالاته وتداعياته، وتقديم قراءة معمقة للأحداث، تتضمن التفسير والتحليل والتقييم من منظور تعددي، فكرياً ومهنياً وباتجاه أن يصب هذا التقديم في إغناء المجرى التفاعلي للمشاهد بالحدث وخدمته، الأمر الذي أسهم تراكمياً في إغناء النسق المعرفي للمشاهد بما يحدث. ويحاول هذه الكتاب الكشف عن مضمون البرامج ومكوناتها الثقافية وما تحملها من المعاني التي تم توظيفها فيها، عبر اربع فصول: الفصل الأول: تناول الإتصال وعلاقته بالثقافة بمبحثين:Ø المبحث الأول :مدخل الاتصال ووظائفه في الواقع الاعلامي.Ø المبحث الثاني : العلاقة بين الاتصال والقيم الثقافية. وتناول الفصل الثاني تنمية الإبداع والصناعات الإبداعية في مجتمعات المعرفةØ المبحث الأول: مدخل الإبداع وعلاقته بمجتمع المعرفة.Ø أما المبحث الثاني: فتناول مفهوم الصناعات الإبداعية أو الثقافية. وتناول الفصل الثالث ثقافة الفضائيات العربية بمبحثين:Ø المبحث الأول: المشهد الإعلامي للبث الفضائي.Ø المبحث الثاني: الإبداع الإعلامي العربي. وتناول الفصل الرابع صورة بانورامية عن برامج الفضائيات العربية.Ø الخاتمة وقد تنوعت المؤلفات العلمية الإعلامية والاجتماعية والثقافية والتقنية التي استعانت بها الباحثة في هذا البحث، وتم الحصول على نصيب وافر من مصادر المادة العلمية من الإنترنيت مباشرة، وذلك في شكل أوراق علمية وإسهامات بحثية من قبل باحثين متخصصين ومؤلفين أغلبهم معروفين في مجال الإعلام. ولقد توخيت الحذر قدر الإمكان في كيفية الحصول على المعلومات من الإنترنت، واتبعتُ أهم الطرق التي يُضمَن بها ما يعرف بصلاحية المعلومات في الإنترنت، مثل مواقع وصفحات لها علاقة بجهات رسمية تعليمية وبحثية، ومراكز بحوث، واصدارات الامم المتحدة، وكُتّاب معروفين.