هذا كتاب جامع لذكر الجن وأخبارهم وما يتعلق بأحكامهم وآثارهم، وكان السبب في تصنيفه ونسخه على هذا المنوال الغريب وترصيفه ذاكرة وقعت في مسألة نكاح الجن وإمكانه ووقوعه وضاق المجلس عن تقريرها، وتحقيق المباحث فيها وتحريريها. وقد رأى المؤلف أن هذه المسألة تقتضي مقدمات: الأولى: تقرير وجود الجن خلافاً لكثير من الفلاسفة وجماهير القدرية وك...
قراءة الكل
هذا كتاب جامع لذكر الجن وأخبارهم وما يتعلق بأحكامهم وآثارهم، وكان السبب في تصنيفه ونسخه على هذا المنوال الغريب وترصيفه ذاكرة وقعت في مسألة نكاح الجن وإمكانه ووقوعه وضاق المجلس عن تقريرها، وتحقيق المباحث فيها وتحريريها. وقد رأى المؤلف أن هذه المسألة تقتضي مقدمات: الأولى: تقرير وجود الجن خلافاً لكثير من الفلاسفة وجماهير القدرية وكافة الزنادقة وغيرهم وفساد قول من أنكر وجودهم. الثانية: تقرير أن لهم أجساناً مشخصة رقيقة أو كثيفة تتطور وتتشكل في صور شتى. ليمكن الوقاع ويتأتى. لأنه إنما يتصور بين جسمين مماسين ويتفرع على هذا ذكر تحيزهم وأكلهم وشربهم وتناكحهم فيما بينهم لأن جسن الحي لا بد له من تحيز وتناول ما هو سبب لنموه وبقائه وبقاء جنسه بالتوالد.الثالثة: بيان تكليفهم خلافاً للحشوية وذلك لأن من جوز النكاح بين الإنس والجن إما أن يشترط في نسائهم الإيمان أو أن يكن من أهل الكتاب لأن ما اشترط في حل النساء الأدميات أولى أن يشترط في الجنيات لأن القائل بجواز نكاحهم لا يفرق.. ويتفرع على ذلك ذكر بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إليهم وقبل بعثته إليهم بماذا كانوا مكلفين هل بعث إليهم نبي منهم كما يقوله الضحاك وغيره وقطع به أبو محمد بن حزم أو كان فيهم نذر منهم ليسوا رسلاً عن الله تعالى ولكن بثهم الله تعالى في الأرض فسمعوا كلام رسل الله عز وجل الذين هم من بني آدم وعادوا إلى قومهم من الجن فانذروهم وهذا قول جماهير العلماء من السلف والخلف وهذا كما سمع النفر من الجن القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم وعادوا إلى قومهم فقالوا: إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى وكان هذا قبل دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إياهم واجتماعهم به. ويتفرع على تكليفهم ثوابهم على الطاعة وعقابهم على المعصية ودخول كافرهم النار ومؤمنهم الجنة عند بعض العلماء ويتفرع على كل مقدمة مسائل تتأتى، وتتفتح لها أبواب شتى. يتشبث بعضها بأذيال بعض. وينخرط في عقد سلكها درر لا يكاد نظمها ينفض، ويستطرج في غضون ذلك نكت وأخبار وعيون، وأحاديث مروية عنهم لا تنتهي ولحديث الجن شجون، لذلك كله سعى لإبراز هذا التصنيف وإحراز كثير مما ورد عنهم في هذا التأليف. وجعله جامعاً لمهم أحكامهم. حاوياً لأحوالهم في رحلتهم ومقامهم، رافعاً لستورهم، دافعأً لما يتطورون عليه من الكيد في صدورهم، كاشفاً لضمائرهم كاشفاً لمناورهم. ورتب على ذلك مقطع أبواباً، وفتح لكل مطلع باباً. وضمه مائة وأربعين باباً. وقد يزيد على ذلك. بما ينخرط في هذه المسالك من التوابع التي يتعين إيرادها.