يبدو ان عناية الباحثين اتجهت إلى دراسة الجوانب العسكرية والسياسية من حياة الأمير عبد القادر أكثر مما توجهت إلى بحث حياته العقلية والروحية التي سجلها في مؤلفاته العديدة وفي شعره، ولايقل جهاده لجيوش الإحتلال، ولايقل قلمه عن سيفه في جهاده. من مؤلفات الأمير عبد القادر التي ألفها في بروسة التركية أثناء إقامته بها، رسالة ’ ذكرى العاقل...
قراءة الكل
يبدو ان عناية الباحثين اتجهت إلى دراسة الجوانب العسكرية والسياسية من حياة الأمير عبد القادر أكثر مما توجهت إلى بحث حياته العقلية والروحية التي سجلها في مؤلفاته العديدة وفي شعره، ولايقل جهاده لجيوش الإحتلال، ولايقل قلمه عن سيفه في جهاده. من مؤلفات الأمير عبد القادر التي ألفها في بروسة التركية أثناء إقامته بها، رسالة ’ ذكرى العاقل، وتنبيه الغافل’. طلبت إليه تأليف هذه الرسالة الجمعية الآسيوية بباريس، وكان تأليفها يوم الإثنين 14 رمضان سنة 1271هـ /1855م وبيَن هذا في أولها: ’ بلغني أن علماء بريز وفقهم العليم الحكيم العزيز كتبوا إسمي في دفتر العلماء ونظموني في سلك العظماء(...) ثم أشاروا علي بعض المحبين منهم بإرسال بعض الرسائل إليهم فكتبت هذه العجالة’ ثم نقلها غسطاف ديــغا إلى اللسان الفرنسي سنة 1858 وهو قنصل فرنسا بدمشق في ذلك العهد ثم ترجمها رونيه خــوام سنة 1977 عنونها بعنوان آخر وهو ’رسالة إلى الفرنسيين’ ويبدو من أسلوبها بالمقارنة مع أسلوب ’المواقف’ مثلاً أنها من مؤلفاته المبكرة لأنَ أسلوبه في المواقف ناضج جداً ومتميز. مصادره في هذه الرسالة ’الإحياء’ لأبي حامد الغزالي وابن خلدون في مقدمته والرازي وغير هذا من المؤلفات في التراث الإسلامي تحدث فيها عن المعرفة وعن العقل الذي هو مصدر من مصادر المعرفة، أكد هذا الجانب على عادة المتكامين المسلمين الذين يبدأون كتبهم ببحث ’النظر’ الذي يؤدي إلى العلم، وهو ما يسمى في ومننا هذا عند الغربيين بنظية المعرفة التي تبدأ بالإدراك الحسي وتنتهي إلى المجردات والمفاهيم الكلية..ومن أهم مباحث هذه الرسالة مبحث النبوة التي هي مصدر آخر من مصادر المعرفة لتي تتجاوز طور العقل..وللرسالة قيمة تاريخية تصور مدى عناية هذا الفارس المجاهد بالمعرفة التي بدأ بها حياته وختمها بها ولم يجعله منفاه عن وطنه يخمد أفكاره...