المطران "يوسف داود"، هو رائد من رواد الفكر والقلم في القرن التاسع عشر، أطل على الموصل عام 1829، وأنارها بشعاع نبوغه في مدارات العلم والأدب والمعرفة، فأضاء مدارسها وندواتها مجالسها، حتى أضحى واسطة العقد في قلادة أعلامها ومفكريها. واستمر في إنارة مواطنيه أكليروساً وعلمانيين، فصار منارة لكل السريان في كل زمان ومكان.نشأ في الموصل، و...
قراءة الكل
المطران "يوسف داود"، هو رائد من رواد الفكر والقلم في القرن التاسع عشر، أطل على الموصل عام 1829، وأنارها بشعاع نبوغه في مدارات العلم والأدب والمعرفة، فأضاء مدارسها وندواتها مجالسها، حتى أضحى واسطة العقد في قلادة أعلامها ومفكريها. واستمر في إنارة مواطنيه أكليروساً وعلمانيين، فصار منارة لكل السريان في كل زمان ومكان.نشأ في الموصل، ونهل من كتاتيبها ومدارسها، وتعلم مبادئ العلوم على يد شمامستها وكهنتها، وفي مدرسة الآباء الدومينيكان التي كانت قد فتحت أبوابها حديثاً، ثم غادرها إلى المدينة رومة وأكمل علومها على مقاعد جامعتها الشهيرة "بروبغنده"، فلمع بين أقرانه، وبزهم جميعاً فكان دوماً في المرتبة الأولى، فاستحق بذلك تكريم البابا بمناسبات عدة، ونال العديد من الهدايا والتكريمات.ارتقى درجة الكهنوت المقدسة عام 1855، وعاد إلى وطنه الموصل التي أحبها، فغرس فيها أولى طلائعه علماً وأدباً ومعرفة، وما زالت ذكراه تعبق أجواءها وتعتمر قلوب أحفاد تلاميذه ومن عاشروه فيلهجون بفضائله الجليلة ومزاياه السامية.كان الرجل الثاني البطريرك مار أغناطيوس جرجس شلحت في تنظيم وترتيب مجمع الشرفة الذي عقد عام 1888، فكان اللولب والمحرك إذ وضع الكثير من أبوابه وفصوله، ومحوراً في مناقشات الآباء وإقرار مواده وبنوده.مما سبق نعلم كم تحمل من المجهود الفكري والعملي مع أعباء الإدارة التي تكبدها وأداها بكل صدق وإخلاص في تأدية الواجبات الملقاة على عاتقه فأثرت على صحته العامة، فأصيب بمرض القلب الذي سريعاً ما سكت عن حب العلم والمعرفة والناس فانتقل إلى جوار الرب ولسان حاله يلهج بما قاله بولس: "جاهدت الجهاد الحسن".عن هذا العلم يتحدث الكتاب الذي بين يدينا متوقفاً عند المحاور التالية: أولاً: نظرة في الأحوال الثقافية والاجتماعية في العراق عامة، والموصل خاصة في القرن التاسع عشر. ثانياً: السيرة والمسيرة للمثلث الرحمة المطران مار إقليميس يوسف داود، النشأة، والرحيل في طلب العلم والارتقاء إلى الدرجات المقدسة. ثالثاًَ: الأعمال الفكرية، والرسالة الميدانية في ربوع الموصل وأبرشية دمشق. رابعاً: جولة حرة، وتقييمية بدراسة شاملة في تراث المترجم الفكري والثقافي. خامساً: الرحيل الأبدي مع بعض المختارات من المراثي التي قيلت أو نشرت في حينه.