إن ما تطمح إليه هذه الدراسة هو الشروع في محاولة رسم لوحة شبه متكاملة تصف، أولاً: معالم المنظمة الصهيونية العالمية في مرحلة ما قبل قيام "إسرائيل" وثانياً: تعالج علاقات التحالف والتعارض بينها وبين الكيان الصهيوني طوال المرحلة الفاصلة ما بين قيام "إسرائيل" واللحظة الحاضرة. وعلى الرغم من أنه لن يكون ثمة مناص من استخدام الريشة الوصفي...
قراءة الكل
إن ما تطمح إليه هذه الدراسة هو الشروع في محاولة رسم لوحة شبه متكاملة تصف، أولاً: معالم المنظمة الصهيونية العالمية في مرحلة ما قبل قيام "إسرائيل" وثانياً: تعالج علاقات التحالف والتعارض بينها وبين الكيان الصهيوني طوال المرحلة الفاصلة ما بين قيام "إسرائيل" واللحظة الحاضرة. وعلى الرغم من أنه لن يكون ثمة مناص من استخدام الريشة الوصفية في رسم بعض جوانب تلك اللوحة، ستحرص الدراسة على رسم الشبكة التي تربط الجوانب المختلفة للصورة بعضها ببعض من خلال استخدام الريشة التحليلية في ضوء المنهج "الوظيفي-المقارن".وبعبارة أخرى، سيتم رسم اللوحة الخاصة بالحركة الصهيونية بأبعادها الوظيفية الثلاثة (الإيديولوجية، التنظيمية، والسياسية) ضمن سياق يقارن بين كان عليه حال كل واحد من هذه الأبعاد قبل قيام "إسرائيل" وبين ما أصبح عليه بعد تأسيس هذه الأخيرة.وعليه تأمل هذه الدراسة في أن تجيب عن أسئلة من نوع: ما هي الحيثيات التاريخية الخاصة التي أدت إلى قيان المنظمة الصهيونية؟. وما هي طبيعة القضايا الإيديولوجية المطروحة ضمن علاقة التعاون والصراع ما بين "إسرائيل" والمنظمة الصهيونية في ظل تلك العلاقة؟. وما هي أنماط العلاقة السياسية التي سادت بين الدولة الصهيونية والمنظمة الصهيونية، إضافة إلى استشراف آفاق تلك العلاقة على امتداد الخط الزمني المستقبلي المنظور؟ وغني عن الذكر أن الإجابة عن جميع هذه الأسئلة تستوجب أولاً ودوماً عرضاً لما كانت عليه صورة المنظمة الصهيونية في المراحل المختلفة السابقة لقيان "إسرائيل" ودورها الخاص في تأسيس الكيان الإسرائيلي، علاوة على بحث العلاقة التي نشأت بين الحركة الصهيونية-الأم من جهة، وبين وليدها الإسرائيلي "العاق" من جهة ثانية. تلك العلاقة التي انتهت-بالعبارات الصهيونية-إلى صراع مكشوف أدى إلى تمرد الابن الشرعي للمنظمة-الأم على هذه الأخيرة التي أسهمت في منحه الحياة.ومع أن الدراسة ستحرص على الإنشداد باستمرار إلى هذه الأبعاد الوظيفية، فإنها-لاعتبارات تتعلق بسير المتابعة وبسلاسة الانسياب وبتقليص مثالب التداخل وعيوب تكرار الوقائع-ستحاول رسم اللوحة النهائية المطلوبة عبر إظهار الترابط العضوي بين المفاصل الزمنية المختلفة المتفاعلة التي أسهمت في تحويل معالم الصورة جوهرياً وفي جعلها على النحو الذي أصبحت عليه مع بداية الثمانينات.ولقد اقتضى مثل هذا التوجه تراكم طبقات ألوان اللوحة، بتتابع زمني، ضمن عدة مراحل هي: أولاً: مرحلة ثيودور هيرتسل، ثانياً: مرحلة ما قبل صعود الدكتور حاييم وايزمن، ثالثاً: مرحلة الدكتور وايزمن، رابعا: مرحلة دافيد بن غوريون، خامساً: مرحلة الدكتور ناحوم غولدمان وأخيراً سادساً مرحلة ما بعد سقوط الدكتور غولدمان.ومن الطريف، في هذا المجال، ملاحظة كون البدايات الحقيقية لبعض تلك المراحل وقد كادت تتطابق زمنياً، وعلى التوالي، مع عشية اندلاع المعركة العربية-الإسرائيلية الأولى في العالم 1948، ونشوب المعركة الثانية في العام 1956، واشتعال شرارة المعركة الثالثة في العالم 1967، وانفجار المعركة الرابعة في العام 1973. وعلى أية حال فإن هذه "الطرافة" لم تأت على نحو عفوي عشوائي وإنما هي-كما سيتضح في سياق هذه الدراسة-مرتبطة، موضوعياً وفي معظم الحالات، مع النتائج التي أسفرت عنها الجولات الأربعة تلك.