تواجه الأمتين العربية والإسلامية في مطلع القرن الحادي والعشرين تحديات كثيرة زادت من التحديات التي واجهتهما في القرن الماضي، وأخطاراً تهدد وجودهما ووحدتهما ومستقبلهما وهويتهما الحضارية. وتتمثل تلك التحديات في محاولات القوى الاستعمارية والصهيونية فرض مشروعاتها الهادفة إلى ترسيخ التبعية والتخلف والتجزئة والاحتلال على المنطقتين العر...
قراءة الكل
تواجه الأمتين العربية والإسلامية في مطلع القرن الحادي والعشرين تحديات كثيرة زادت من التحديات التي واجهتهما في القرن الماضي، وأخطاراً تهدد وجودهما ووحدتهما ومستقبلهما وهويتهما الحضارية. وتتمثل تلك التحديات في محاولات القوى الاستعمارية والصهيونية فرض مشروعاتها الهادفة إلى ترسيخ التبعية والتخلف والتجزئة والاحتلال على المنطقتين العربية والإسلامية. ولهذا، فإذا كان احتلال فلسطين، الذي هو نتيجة للمؤامرات الاستعمارية-الصهيونية، من أكبر التحديات التي واجهت العرب والمسلمين في القرن الماضي، فإن الاحتلال الأمريكي-البريطاني للعراق منذ مطلع هذا القرن، والعدوان الإسرائيلي المتجدد على لبنان والفلسطينيين، يشكل هو الآخر تحدياً كبيراً لا يقل خطورة عما واجه العرب والمسلمين من قبل، في ظل نظام عربي رسمي ضعيف غير قادر على التصدي لتلك التحديات، وعاجز عن اتخاذ موقف موحد لمواجهة مشاريع التفتيت والتجزئة التي تريد "إسرائيل" والقوى الغربية -وعلى رأسها الولايات المتحدة- فرضها على الوطن العربي. وتقف "إسرائيل" خلف ما يحدث في فلسطين والعراق ولبنان، وما حالة التشرذم والتجزئة في العالم العربي، لكونها تشكل التحدي الرئيسي للأمتين العربية والإسلامية، ومؤشراً واضحاً على استمرار سياسة التجزئة التي فرضتها الإمبريالية العالمية على العرب والمسلمين، ونجاحاً للحركة الصهيونية والقوى الاستعمارية التي زرعت دولة يهودية-صهيونية غريبة في قلب الوطن العربي لتجزئته. وهي القوى نفسها التي تسعى لتجزئة العراق ولبنان ومناطق أخرى في العالمين العربي والإسلامي.وما يسعى إليه هذا الكتاب هو إعادة طرح دور "إسرائيل" في تفتيت الوطن العربي، لتبقى متفوقة على العرب والمسلمين. لأن تطور الأحداث في الشرق الأوسط، أثبت منذ بداية الصراع أن المشروع الصهيوني-الاستعماري موجه في الأساس ضد الأمتين العربية والإسلامية من دون استثناء، وليس ضد الشعب الفلسطيني أو الشعوب العربية المجاورة لفلسطين فقط. وفي الوقت الذي تجري فيه مفاوضات وتوقع فيه اتفاقيات بين بعض الأطراف العربية و"إسرائيل"، فإن ذلك لن يحل التناقض بين المشروعين وهما المشروع العربي-الإسلامي الداعي إلى رفض الوجود الإسرائيلي في فلسطين التاريخية والمشروع الاستيطاني الصهيوني المدعوم من الإمبريالية العالمية الهادفة إلى تجزئة الوطن العربي واستنزاف قدراته، على أساس أن الصراع بينهما هو صراع حضاري وتاريخي طويل، وليس صراعاً سياسياً أو عسكرياً فقط.ويركز الكتاب على قضية الترابط العضوي بين "إسرائيل" وتجزئة الوطن العربي، وتلاقي المصالح الصهيونية مع المصالح الإمبريالية لتحقيق هدف مشترك أفاد الطرفان منه، ألا وهو العمل على إضعاف العرب والمسلمين، بعدما تبين أن لـ"إسرائيل" دوراً مهماً في معظم الخلافات والصراعات الداخلية والخارجية بين الدول العربية نفسها، وبينها وبين دول الجوار، وفي دعم الأقليات في الوطن العربي لإضعاف القوة العربية وتشتيتها.وترجع أهمية موضوع الكتاب، إلى كونه يأتي في زمن الهجمة الأمريكية ضد العرب والمسلمين، ومحاولاتها مع "إسرائيل" غزو المجتمعات العربية ثقافياً واقتصادياً، من خلال تسويق عملية التطبيع مع العرب، ما يؤثر في الثوابت التي كانت موجودة لدى العرب والمسلمين تجاه "إسرائيل". وكذلك في ظروف تصاعد الحديث عن المشاريع الشرق أوسطية الهادفة إلى إذابة العرب في كيانات إقليمية أوسع، وتجزئة بعض الأقطار العربية إلى دويلات تدور في فلك القوى الأجنبية المعادية للأمة العربية، خدمة للمصالح الغربية و"إسرائيل".ويتمحور الكتاب حول دور "إسرائيل" في العمل منذ ما قبل ستة عقود، على تفتيت الوطن العربي وتجزئته إلى دويلات، من خلال الاستفادة من بعض التناقضات بين الأقليات العرقية والدينية والأغلبية العربية الإسلامية، في ضوء الدعوات الدولية لفرض تسوية سلمية للصراع العربي-الإسرائيلي. ويركز على موقف الحركة الصهيونية وإسرائيل من العرب، وعما إذا كان هذا الموقف سوف يتغير إذا حدثت التسوية، ما يتطلب طرح الأسئلة الآتية:أولاً: ما هي العوامل التي ستجعل "إسرائيل" أقل عداء للعرب والمسلمين في ظل التسوية السياسية للصراع العربي-الصهيوني؟ أو في ظل وجود متغيرات كثيرة، على الصعيد الاقتصادي مثل فتح الأسواق العربية للبضائع الإسرائيلية، وعلى الصعيد السياسي كالاعتدال والانضباط في الموقف العربي وفي صنع القرار وعدم استخدام التطرف ضدها؟ وما مدى إمكانية تحقيق التعاون العربي في المستقبل مع التسليم ببقاء "إسرائيل" في قلب الوطن العربي.ثانياً: ما هي العوامل التي من الممكن أن تدفع "إسرائيل" إلى التمسك بعدائها للعرب والمسلمين، إلى الرغم من إمكانية حدوث تسوية سياسية للصراع، كالخوف من احتمال اختلال ميزان القوى لمصلحة العرب، ما يغري الجانب العربي (برأي إسرائيل) بالعودة إلى الصراع المسلح واستعمال القوة من جديد ضدها؟ثالثاً: المقارنة بين العوامل الدافعة لسياسات استمرار العداء الإسرائيلي للعرب، والعوامل المساندة للتخلي عن سياسات العداء، لكي تفرض نفسها جزءاً من المنطقة في مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى إلى فرضه على حساب الوحدة العربية.رابعاً: يبحث في العداء الصهيوني التقليدي للعرب، وعلى موقف "إسرائيل" منها، خاصة في ضوء المتغيرات التي حدثت في الصراع العربي-الإسرائيلي بعد عملية التسوية.ويبحث الكتاب في المطامع الاستعمارية-الصهيونية في فلسطين، وموقف الفكر الصهيوني والحركة الصهيونية وزعمائها، من العرب في ظل تنامي الشعور القومي في أوروبا، والسياسة الاستعمارية الأوروبية الداعية إلى تجزئة الوطن العربي، وفي موقف "إسرائيل" من الأقليات في الوطن العربي ومن قضية الوحدة العربية على الصعيدين الرسمي والفكري، ومعاداتها للتجارب الوحدوية العربية والعمل العربي المشترك. كما يعالج الكتاب، دور القضية الفلسطينية والصراع العربي-الصهيوني والإمبريالية التي تواجه الأمة العربية. وفي مستقبل الموقف الإسرائيلي، من العرب، في ظل عملية التسوية ونتائجها واحتمال حدوث تغييرات في الموقف الإسرائيلي منهم، ودور "إسرائيل" في الاحتلال الأمريكي للعراق ومحاولتها تجزئته، خدمة لوجودها وبقائها في فلسطين. ويناقش المشروعات الإسرائيلية والغربية، كمشروع الشرق الأوسط الجديد، ومشروع الشرق الأوسط الكبير، التي تريد طمس الهوية العربية ومنع إضفاء الطابع العربي على الشرق الأوسط، من خلال تذويبها في إطارات أوسع، تكون "إسرائيل" هي المهيمنة عليها.