ليلة شديدة الظلمة.. بردُ قارس.. أمطارّ غزيرة برقُ ورعدُ يضربان المكان مما جعل الناس فى هذه القرية الصغيرة يفرون إلى بيوتهم.. تقع هذه القرية فى منطقة محاطة بالجبال..يكاد الناس فيها يكونوا معزولين إلا القليل منهم ممن اختار مهنة التجارة وآثر مشقة عبور كل هذه الجبال ليأتى ببضائع كما يأتى بأخبار عما يحيطهم من مدن وقرى ليفوز بالكثير م...
قراءة الكل
ليلة شديدة الظلمة.. بردُ قارس.. أمطارّ غزيرة برقُ ورعدُ يضربان المكان مما جعل الناس فى هذه القرية الصغيرة يفرون إلى بيوتهم.. تقع هذه القرية فى منطقة محاطة بالجبال..يكاد الناس فيها يكونوا معزولين إلا القليل منهم ممن اختار مهنة التجارة وآثر مشقة عبور كل هذه الجبال ليأتى ببضائع كما يأتى بأخبار عما يحيطهم من مدن وقرى ليفوز بالكثير من الربح وتقدير عامة الناس فى هذه القرية فهم كما يقال عنهم طيبون إلى حد السذاجة لا يعرفون شيئا إلا العمل فى حقولهم طوال النهار ثم الذهاب إلى السوق لجلب ما يحتاجونه ،بعده تأتى ساعة ُ أو ساعتان من السمر الليلى يأوون بعدها إلى مضاجعهم انتظارا ً ليوم جديد من مطلع الرواية : ليلة شديدة الظلمة.. بردُ قارس.. أمطارّ غزيرة برقُ ورعدُ يضربان المكان مما جعل الناس فى هذه القرية الصغيرة يفرون إلى بيوتهم.. تقع هذه القرية فى منطقة محاطة بالجبال..يكاد الناس فيها يكونوا معزولين إلا القليل منهم ممن اختار مهنة التجارة وآثر مشقة عبور كل هذه الجبال ليأتى ببضائع كما يأتى بأخبار عما يحيطهم من مدن وقرى ليفوز بالكثير من الربح وتقدير عامة الناس فى هذه القرية فهم كما يقال عنهم طيبون إلى حد السذاجة لا يعرفون شيئا إلا العمل فى حقولهم طوال النهار ثم الذهاب إلى السوق لجلب ما يحتاجونه ،بعده تأتى ساعة ُ أو ساعتان من السمر الليلى يأوون بعدها إلى مضاجعهم انتظارا ً ليوم جديد .. لذلك أصبحت للتجار مكانة إجتماعية كبيرة بينهم فهم مصدر أخبارهم ومعرفتهم.. هم من يأتون بكل جديد حتى انه مع مرور الوقت انقلبت ساعات السمر أمام المنازل حيث كنا نرى كل اثنين أو ثلاثة جيران يجتمعون أمام منزل واحد منهم يتسامرون ويتحاكون عن العمل وعما يفعلونه فى محصولهم وكثيرا ً ما تنقلب الجلسة الملآى بالحب إلى اتفاقات سريعة على عقد قران أو حفلات زفاف بين أبنائهم .. أجل .. فلا مشكلة عندهم .. نرى اثنين منهم يتبادلون الحديث ثم يتطرقون إلى أحوالهم الشخصية عن الأولاد والأسرة ثم تأتى عبارة ترددت كثيرا ً فى هذه القرية بل تكاد تقال كل يوم أكثر من مرة أمام أكثر من منزل :- أرى أن ابنتك فلانة قد كبرت ..- ماذا تقول إنها لا تزال صغيرة , عندها ثلاثة عشر عاما ً فقط- حسنا , فعند انتهاء موسم الحصاد ستبلغ الرابعة عشر- أجل ..- فما رأيك فى أن آخذها إلى ابنى فلان ... فقد أصبح رجلا ً كما تراه إنه فى السادسة عشر ..ثم تسمع العبارة المترددة كثيرا ً ..- البنت بنتك والولد ولدك يا حاجثم تعقبها زغاريد النسوة اللاتى سمعن الكلام وخجل البنت وجريها داخل المنزل .. وفرحة الولد وتهنئة أصدقائه له ولا يقف الأمر عند ذلك , فالذى قال العبارة الأخيرة لم يقلها مجاملة حتى ييسر زواج ابنته ثم تأتى سلسلة الطلبات ..- ماذا سأحضر وماذا ستحضرون , لا .. فلم تقال هذه الكلمة هناك أبدا ً ؟فبعد الانتهاء من الاتفاق الذى ليس فيه شروط , أصبح الولد والبنت مخطوبين ... وعلى الولد أن يكون أهلا ً لثقة أبيه وعمَّه أقصد جاره أو حماه المستقبلى فيه فيجد مع أبيه فى العمل انتظارا ً لموسم الحصاد ثم يبدأ ببناء منزله فى أى بقعة يحددها وكثيرٌ منهم فضل بناء منزله قرب الحقل أوقرب النهر الذى يأتيهم من وسط الجبال ولا يعرفون من أين ينبع , ولا أقصد ببناء منزله أنه يقف وحيدا ً يبنيه أو أنه يستأجر أحدا ً لذلك ، فكل أهل القرية يتشاركون فى بناء منزل العروسين كما يتشاركون فى تجهيزه ..لا مشكلة وينتهى موسم الحصاد ليأتى الزفاف حكاية تتكرر عندهم كل يوم عمل .. زرع ..خطبة .. حصاد .. زفاف .. سعادة ..أولاد .. حب .. مودة .. جيرة .. تقدير الكبير واحترامه.. كلمات ُ يكاد قاموسهم يقتصر عليها .. لم يعرفوا معنى لكره أو جريمة أو قتل .. مئات من السنين مرت على هذه الحال ..صدقونى أنا لا أتحدث عن يوتوبيا خيالية .. لكنه ما كان يحدث , أجل ما كان ..فمع ازدياد مكانة التجار الاجتماعية رغم قلة عددهم فى هذه القرية تحولت جلسات السمر أمام المنازل إلى اجتماعات شبه يومية تقام فى ساحة القرية يحضرها معظم السكان ويرأسها أحد هؤلاء التجار يحدثهم عما رأى فى سفره من أخطار مشقة عبور الجبال المحيطة بهم أو ركوب النهر الذى تعلموه حديثا ً حتى أنه وصل إلى المصب الذى لم يروه قط .. وعمَّا شاهده من قرى أخرى وسكان وعادات أخرى .. يصف ويصف ..ولا يملـُّون السمع له أبدا ً ومرّ الوقت أكثر وزادت مكانة التجار أكثر ..ولا أقصد هنا بالتجار أنهم رجال كبار السن .... لا ... فمنذ أن نجحت الفئة الأولى ممن تطلعوا إلى معرفة ما بخارج القرية وعادوا ليحصلوا على كل هذه المكانة ... أصبح حلم كل شاب أن يصبح تاجرا ً وقد نجح كثير منهم فى ذلك ورأى العالم الآخر وازداد علمه ومعرفته ..كل ذلك لا مشكلة فيه .... المشكلة هو أنه رأى الجانب الآخر من الحياة ... رأى الشر وتعلمه ..وشجعه على ذلك ما أخذه من مكانة إجتماعية بعد عودته ... عرف طريقة أخرى فى بناء المنازل ، جلب بضائع كثيرة لم يأت بها أحد ٌ قبله ... عاد ليحدثهم عما رأى رغبة ً فى تنمية معرفتهم ..كل هذا ليس شرا ً أما وأن يجول فى خاطر بعضهم أن يحدثهم بأشياء لم يرها ليصور نفسه مغامرا ً خاض صعابا ً كادت تودى بحياته من أجل بضائعهم ، أن يصور لهم أن خلف هذا الجبل وحوش ستفتك بهم إن عبروه أن يُهيئ له عقله أن يستغل طيبتهم وتصديقهم له ليزيد نفوذه بينهم أقصد عليهم ، فمع مرور الوقت تحولت القرية إلى طبقتين ؟فلاحين وعمال فى السوق وصُـنَّـاع وطبقة حاكمة وهى التجار؟أجل حاكمة ؟أصبحت لهم إجتماعات خاصة منفردة عن باقى أهل القرية وبمرور الوقت ظهرت عادة اختيار واحد منهم ليكون كبيرهم بل وكبير القرية كذلك ثم تحول ذلك المفهوم إلى ما يشبه الملكية ..ربما يكون الأمر خيرا ً لو أن هذا التحول توقف عند قصد الخير والمنفعة العامة والتنظيم الاجتماعى والإدارى بشكل أفضل .. لكننا الآن نرى القرية لم تعد تقتصر على المنازل والساحة والسوق والمزارع قرب النهر انظروا .. ها هى دار للخمر والسكر قد فـُتحت شرق القرية قرب الجبل مما جلبه التجار من خمور .. ودار لـ .. أكاد لا أصدق ما أرى إنها أشبه بالملهى الليلى على أقصى التعابير احتراما ً فى عصرنا ..كما نرى كثيرا ً من شباب القرية ورجالها .. لا , بل وشيوخها عرفوا الطريق إلى هذه الأماكن .. أين اجتماعاتهم أين جلسات السمّر مئات من السنين لم يعرفوا للشر طريقا , ومنذ عشرة أعوام فقط تتبدل الحال هكذا ويا للكارثة .. أما ترون أما تسمعون لقد حدثت أمس أول جريمة قتل فى الطريق المؤدى للخمَّارة .. لا يعرفون ما يفعلون بدأ الخوف من الآخر .. بدأ كره الآخر يدخل إلى تفكيرهم.. خوف .. كره .. قتل .. ومازال القاموس يمتلئ لكن التحقيق فى الجريمة مازال مستمرا ً ..اقتربوا من معرفة الفاعل.... يصحون ليجدوا أحد شباب القرية قد اختفىسألوا عنه ..- من نهاية الرواية - آدم : لا .. لا تذهب .. لا تمت .. أرجوك يا .. حتى لم أعرف اسمك الحقيقى .- مازن : كذلك أنا لم أعرفه .ظن آدم أنه يهذى .. أو أن الصوت قادم من بين الرماد ، فأخذ ينبش فى الرماد ويكاد يحطم الصخور .- آدم : أين أنت ، لا تتركنى هكذا .. ليتنى احترقت معك .. أين أنت - مازن : ولماذا تنظر فى الرماد .. افتح عينيك وارفع رأسك .رفع رأسه فوجد كائناً جميلاً يملؤه نور وأجنحته ترف فى السماء ينظر إليه ويبتسم .- آدم : أهذا أنت .. أهذا شكلك الحقيقى ، لقد خدعتنى .. لا يمكن أن يكون هذا شكل شيطان..- مازن : الفضل يعود لك أنت جعلتنى هكذا .- آدم : وأنا ماذا سيحلّ بى ( وانهار من البكاء ) .فنزل ذلك الكائن إليه واحتضنه وشاركه بكاءه .- مازن : كفى .. كفى يا صديقى ، هيا ، ارفع رأسك وانظر إلىّ .- آدم : ابتعد عنى ، أنت لست مازن ، أنا لا أعرفك .. بل لم أعد أعرف نفسى . دفع آدم الكائن بعيداً عنه وارتمى على الأرض يبكى ، ثم قام ونظر إلى السماء وصاح بأعلى صوته .- آدم : وأنا .. أعلم أنى سقطت .. هل من رجوع .. أما من إجابة ؟وفجأة تحولت دموعه إلى كتل من النار بدأت تسقط حوله حتى أنه ظنها شهباً تسقط عليه من السماء لتعاقبه .. وسقط أحدها على قدمه فتألم ، ونظر إلى قدمه فلم يعرفها.- آدم : ما هذا ؟ثم نظر إلى يديه وبدأ يتحسس جسده .- آدم : ليس هذا شكل بشر ولا ملاك ، ماذا حدث لى .- مازن : ولا شيطان ، صدقنى ، أنا أعلم هيئة الشياطين جيداً .- آدم : فما الذى حدث لى ؟- مازن : وما الذى حدث لى أيضاً ، ألا ترى ، ألم تقل أنك ملاك ، أهذه هيئة ملاك ؟- آدم : لا ، إنها هيئة لا أعرفها .- مازن : وكذلك هيئتك .- آدم : لكن هيئتك أنت توحى أنك أفضل الآن .. أما أنا ...- مازن : أما أنت ماذا .. أتذكرنى ، أتذكر ذلك لكائن المظلم ..أعلم أنك أخطأت ، وما يزيد حسرتى أننى أشعر أنك كنت سبب بركتى بينما أنا كنت سبب لعنتك .. لكن ألا تذكر كلماتك عن التوبة والرحمة ، لا تيأس من رحمة الله .- آدم : أنت .. أنت من تذكراسم الله الآن دون خوف ..- مازن : أجل ياصديقى .. كل هذا بفضلك .- آدم : لكن أين سيكون مصيرى ؟ لم أعد ملاكاً ...- مازن : كما لم تصبح شيطان .- آدم : فأين مكانى الآن ، إلى أين سأنتمى .- مازن : نفس الشئ بالنسبة لى .- آدم : فما الحل ؟- مازن : ما رأيك بتجربة ؟- آدم : لا يمكن أن أعود كما كنت ، لن أعود ملاكاً .- مازن : كما أنه لا يمكنك البقاء هكذا وإن استسلمت ستكون شيطان- آدم : فما الحل .- مازن : لن أتركك .. ولنخض تجربتنا معاً .. ربما .. ربما نغير شيئاً.