لما كان العدل هو مسعى القضاء، فإنه لا بد من وسيلة يعبر من خلالها القاضي عن عدله فيما خلص إليه في منطوق حكمه. ولا بد أيضاً من الوسيلة ذاتها ليتمكن الخصوم والقضاء الأعلى والرأي العام من مراقبة القاضي للتأكد من أنه لم يفصل في النزاع بناءً على هوى أو ميل أو عن جهل. وهذه الوسيلة تتمثل في إلزام القاضي بأن يصدر حكمه مسبباً، أي أن يبين ...
قراءة الكل
لما كان العدل هو مسعى القضاء، فإنه لا بد من وسيلة يعبر من خلالها القاضي عن عدله فيما خلص إليه في منطوق حكمه. ولا بد أيضاً من الوسيلة ذاتها ليتمكن الخصوم والقضاء الأعلى والرأي العام من مراقبة القاضي للتأكد من أنه لم يفصل في النزاع بناءً على هوى أو ميل أو عن جهل. وهذه الوسيلة تتمثل في إلزام القاضي بأن يصدر حكمه مسبباً، أي أن يبين الأسباب التي حملته على أن يصدر حكمه على الوجه الذي جاء عليه، بحيث يمكن القول أن القاضي قد قدم التبريرات المنطقية والكفاية لإقناع كل من يطلع على حكمه بأنه قد جاء عادلاً وموافقاً للقانون، إذ لا بد من معرف علة الحكم وأسبابه حتى يتسنى للمطلع عليه فهمه وإدراك مضمونه واستيحاء أثره والتحقق من عدله. ولذلك كله فإن الالتزام بالتسبيب يعد ـــ وبحق ـــ ضمانة قانونية مهمة وصمام أمان لمنع القاضي من أن يجور في حكمه، ولا نبالغ إذا قلنا بأن التسبيب يعد أحد الركائز الأساسية التي تأخذ بها معظم الأنظمة القانونية في سبيل الوصول إلى العدل. وإذا كانت أغلب التشريعات قد درجت على الأخذ بالتسبيب باعتباره بياناً من البيانات التي يجب أن تشتمل عليها الأحكام. فإن ذلك لا ينتقص من أهمية وحقيقة الالتزام في التشريعات إلاّ من باب التأكيد عليه، ولكن هذا التأكيد جاء بصيغة معيبة لا تعبر عن حقيقة التسبيب وعن مقصود المشرع من استيجابه. وبالنظر إلى أهمية التسبيب فقد بدأ الفقه العربي المعاصر يهتم بهذا الموضوع، إذ عالجته دراسات متخصصة على شكل مؤلفات ورسائل جامعية، ولكن معظمها تناوله في إطار الأحكام الجنائية. أما في إطار الأحكام المدنية والتجارية، فلم يحض بالعناية الكافية، وقد جرد أغلب الفقه على تناوله في المؤلفات العامة لقانون المرافعات باعتباره أحد البيانات اللازمة للحكم. ولم يتطرق شرّاح قانون أصول المحاكمات المدنية لدينا إلى هذا الموضوع إلا بالندر اليسير الذي لا يتجاوز مجرد الإشارة إليه.