حينما نتحدث عن الفن المسرحي فإننا نتناول فنا يعد من أكثر الفنون حاجة إلى نضج الملكة الفكرية وسعة التجربة، والقدرة على التركيز والإحاطة بمشاكل الإنسان وبحقائق الوجود الإنساني، فهو فن يتبلور من خلال مدارات للرؤية تفرضها سياقات متعددة سواء على مستوى النص أو العرض المسرحي. ويتطلب الأمر هنا ثقافة ووعيا من نوع متقدم، وهذا لا يحققه إلا...
قراءة الكل
حينما نتحدث عن الفن المسرحي فإننا نتناول فنا يعد من أكثر الفنون حاجة إلى نضج الملكة الفكرية وسعة التجربة، والقدرة على التركيز والإحاطة بمشاكل الإنسان وبحقائق الوجود الإنساني، فهو فن يتبلور من خلال مدارات للرؤية تفرضها سياقات متعددة سواء على مستوى النص أو العرض المسرحي. ويتطلب الأمر هنا ثقافة ووعيا من نوع متقدم، وهذا لا يحققه إلا فنان قادر على تجاوز حدود نفسه للتعبير عن مشاعر الآخرين لاسيما أنه يقدم فنا ضمن وسط اجتماعي، ويحقق تفاعلاً بين الأفراد والجماعات كما يتفاعلون في الحياة، وتحتدم فيه قوى الصراع لتؤسس وقائع وأحداث درامية ذات عناصر متشعبة. والفن المسرحي يحتاج إلى أبعاد رؤيوية تمتد من النص الذي أبدعه المؤلف وصولا إلى نص العرض الذي أبدعه المخرج من خلال عملية التجسيد الإبداعي، فالرؤية تهدف إلى الوصول إلى خلق حالة من التوازن الجمالي والمعرفي بأدوات وأسلوب تمكن من الوصول إلى جوهر العملية الإبداعية، ورؤية المؤلف تعد الرؤية الأولى لكونها تؤسس للمنجز الإبداعي على مستويي النص والعرض المسرحيين، والرؤية الخلاقة تشترط اكتشاف القوانين الموضوعية التي تحرك الواقع السياسي والاجتماعي والبيئي الذي يعيش فيه المبدع، ومن ثم تتفاعل هذه العوامل والقوانين مع العصر في إطاره وصراعاته وديمومته. إن التفاعل المتحقق بين مبدع الرؤية وقوانين اشتغال الواقع من شأنه أن ينتج منظومات معرفية وجمالية متقدمة تشكل إضافة جوهرية للمنجز الإبداعي في بعديه الذاتي والإنساني، لأن الرؤية في النهاية تعبّر عن موقف في الفن والحياة وهي تحكم السلوك كما تحكم الإبداع منطلقة في ذلك من المكونات الفكرية والاجتماعية والجمالية للمبدع، في محاولة للوصول إلى تحقيق أسلوب متفرد بأدوات فنية منتقاة من شأنها أن تحقق روح المبدع وذاتيته، لتمكنه من التعبير عن قضاياه الجوهرية بشكل موضوعي. صورة