يتناول هذا الكتاب، فى 7 فصول وخاتمة، ما اصطلح على تسميته بالتيار الإسلامى التقدمى فى إيران على الصعيدين الفكرى والسياسى ويعرض الكتاب بشكل خاص لتطور هذا التيار وفكره ونشاطه السياسى خلال الفترة ما بين الحرب العالمية الثانية وحتى وقتنا الراهن وإن كان هذا الكتاب سيركز بالذات على المفكر الراحل الدكتور على شريعتى، ورجل الدين الراحل آي...
قراءة الكل
يتناول هذا الكتاب، فى 7 فصول وخاتمة، ما اصطلح على تسميته بالتيار الإسلامى التقدمى فى إيران على الصعيدين الفكرى والسياسى ويعرض الكتاب بشكل خاص لتطور هذا التيار وفكره ونشاطه السياسى خلال الفترة ما بين الحرب العالمية الثانية وحتى وقتنا الراهن وإن كان هذا الكتاب سيركز بالذات على المفكر الراحل الدكتور على شريعتى، ورجل الدين الراحل آية الله سيد محمود طلقانى، ومنظمة ـ مجاهدى خلق إيران ـ كممثلين أساسيين لهذا التيار فى إيران فى الفترة موضع الدراسة فتناول المؤلف فى الفصل الأول المعنون "ثلاثة على الطريق" ثلاث شخصيات يعدهم جزءا من هذا التيار وهم: أحمد قصراوى وجلال الأحمد اللذان غلب على نشاطهما الجانب الفكرى، والدكتور أبو الحسن بنى صدر، الذى جمع بين العطاء الفكرى والسياسى بشكل متوازن، وهو أول رئيس للجمهورية الإيرانية الإسلامية وعرض المؤلف للأسباب الموضوعية التى تتصل بمحتوى الطرح الفكرى والمشروع السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى والدينى لدى كل من الشخصيات الثلاث والدور الفكرى والسياسى للتيار الإسلامى التقدمى فى إيران، باعتبارهم مثلوا ـ بشكل أو بآخر ـ إسهاما فى مسيرة هذا التيار وفى تطوره المعرفى والأيديولوجى، بحثا عن صياغة بديل آخر فى إيران، يكون إسلاميا وتقدميا فى آن واحد، ويكتسب الانسجام والتناغم الداخلى بين مكوناته، ومصداقيته مع ذاته ومع الشعب الإيرانى، وبالتالى القاعدة الشعبية المؤيدة له واللازمة لترجمة هذا المشروع الفكرى والبرنامج السياسى إلى واقع ملموس وفى الفصل الثانى، قدم المؤلف عرضا شاملا وموجزا لحياة الراحل الدكتور على شريعتى (1933 ـ 1977) وللسياق السياسى والاجتماعى الذى كان يطرح فيه فكره وكتاباته ونشاطه، وذلك أملا فى أن يسهم هذا العرض فى تحسين قدرتنا على التعرف على فكر شريعتى وتحليله بشكل نقدى يسمح بإدراك البعد الإسلامى التقدمى فى المشروع الفكرى لشريعتى، أو إطار التأثيرات الفكرية التى تعرض لها، أخذا فى الاعتبار الظروف السياسية والأوضاع الاجتماعية والثقافية التى كانت سائدة فى إيران خلال حياته، وهى مسئولية علمية وموضوعية، فكرية وتاريخية، يتعين القيام بها لتعريف الكثيرين بالطابع الإسلامى التقدمى لفكر شريعتى، وإلى أى درجة مثل فكره مشروعا بديلا للمشروع الفكرى الذى جسده الراحل آية الله الخمينى، وأثر فى آخرين من أبناء النخبة السياسية والثقافية وأشار المؤلف إلى أن الدكتور على شريعتى كان على معرفة متعمقة بالتاريخ والفلسفة الغربية مع وعيه الذاتى بدينه وتقاليده وبالتالى كان الأجدر على إدماج الفكر الراديكالى فى الغرب والعالم الثالث مع المبادئ والتقاليد الشيعية إلا أنه انتقد الأفكار الأجنبية بنفس القدر الذى انتقد به الفكر الإسلامى التقليدى فقد انتقد المفكر العالم ثالثى لفرانز فانون، خاصة دعوته لشعوب العالم الثالث للتخلى عن تقاليدها الدينية، حتى تتمكن من الانتصار فى نضالها ضد الإمبريالية الغربية ورغم أن البعض ذكر أن شريعتى كرس حياته لمهمة إدماج الاشتراكية مع المبادئ التقدمية الموجودة فى المذهب الشيعى، فإن الواقع يؤكد أن هدف شريعتى كان جعل الأصالة وسيلة للتحرير والتغيير ولهذا الغرض، استخدم شريعتى كافة المفاهيم والأساليب وأدوات التحليل التى وجدها مفيدة له فى تلك المهمة، مهما تعددت مصادرها ولم يكن كافيا بالنسبة لشريعتى أن يقول إن المسلمين لديهم القرآن والسنة، بل كان من الضرورى فهم جوهريهما ودراسة ما هو موجود لدى غير المسلمين فى بقية أنحاء العالم لمعرفة ما قد يفيد المسلمين ويتفق مع مبادئ الإسلام وأشار المؤلف فى الفصل الثالث الإجابة على سؤال: هل يوجد رجل دين إسلامى شيعى تقدمى؟ ، إلى أنه رغم كثرة ما كتب وذكر عن ثورة عام 1979 فى إيران، فإن الكثير من جوانب هذه الثورة لا يزال بعيدا عن متناول أيدى الباحثين ومن بين تلك الجوانب شخصيات لعبت أدوارا رئيسية، سواء فى الإعداد للثورة على المستويين الفكرى والحركى، أو فى قيادتها وفى المراحل التى تلت انتصار هذه الثورة من هذه الشخصيات هو آية الله سيد محمود طلقانى (1911 ـ 1979) الذى عرض هذا الفصل لأهم أفكاره وممارساته فى محاولة لاستكمال حلقة جديدة من حلقات فهم الثورة الإيرانية، فكرا وأحداثا، خاصة من منظور إسهامه فى صياغة طرح إسلامى تقدمى فى الحياة الفكرية والسياسية الإيرانية وكان تعريف طلقانى للجهاد متصلا بتفسيره الممتد عالميا لمفهوم ـ المستضعفين ـ وبتفسيره السياسى والاجتماعى لأسباب الحروب إلا أنه كان يعى دائما أولوية الحفاظ على قوة الثورة الإيرانية كقوة دعم لثورات المستضعفين على مستوى العالم كما كان طلقانى صارما فى عدائه للاستعمار بكافة صوره، ولإسرائيل، خاصة من حيث ربط هذا العداء بأسباب داخلية فى إيران، سواء كانت أحداثا أو مشكلات بعينها فقد تنازعت اختيارات طلقانى فكرة الإجماع والانسجام والتناغم بين كافة القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحت قيادة إسلامية من جانب، ومفهوم الصراع بين الأضداد من جانب آخر وخلص المؤلف فى الفصل الرابع المعنون ـ التيار الإسلامى التقدمى فى إيران بين الفكر والحركة ـ إلى أن غياب التصور المؤسسى الشامل الذى يجسد أيديولوجية مجاهدى خلق كان عاملا فى فشل المشروع السياسى لمجاهدى خلق ورؤيتها الإسلامية التقدمية وبالمقابل فى انتصار خصومها الذين بلوروا وطبقوا هذا التصور سريعا، وهو ما يكشف عن أن المنظمة لم تستفد من دراسة التجارب الثورية السابقة التى أظهرت أهمية دور الأطر المؤسسية فى ترجمة الأهداف الأيديولوجية وتنظيم صفوف المؤيدين وضمان التزامهم وفى نهاية الفصل، أشار المؤلف إلى أن تجربة مجاهدى خلق فى إيران تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الأديان فى حد ذاتها لا توجه لليمين أو لليسار، وإنما الأمر يتصل بالقوى التى تحمل لواء الدين فى المعترك السياسى وانتماءاتها ومصالحها العقائدية والاجتماعية والاقتصادية والإطار العام الذى تتحرك فيه وتناول المؤلف فى الفصل الخامس ـ قراءة فى فكر الرئيس السابق محمد خاتمى ـ موضوع الحوار بين الحضارات، الذى يشير فيه خاتمى إلى ضرورة أن يتأسس هذا الحوار على أساس المساواة بين الدول والشعوب والاحترام المتبادل ويبرز أن الدعوة للحوار جاءت من العالم الإسلامى، مما يعكس الثقة بالنفس، ولكنه يقر بوجود مشكلات تواجه العالم الإسلامى، أبرزها غياب الوحدة عنه لأسباب داخلية وخارجية، والتناقض المزعوم بين العقل والنقل، وسعى بعض المسلمين للعودة إلى الماضى وهو ما يشكل نزعة رجعية وينتقد خاتمى ضمنيا إقصاء قوى عديدة خلال مسيرة الثورة الإيرانية بحجة أن رؤيتها للإسلام اختلفت عن الرؤية السائدة، كما ينتقد من سعوا لاستبعاد المرأة من أماكن العمل والدور السياسى، وأدان دور بعض رجال الدين فى التأثير على الإمام الخمينى بشأن هذه المسائل، واصفا إياهم بالرجعية والدوجماطيقية وتتسم معالجة خاتمى للمشكلات الراهنة للمجتمع الإيرانى بالتباين نظرا لتنازع طبيعته كمفكر ومثقف ينتمى أصلا للتيار الإسلامى التقدمى، ثم كزعيم لتيار عريض يضم فئات كثيرة تجتمع تحت راية "الإصلاحيين"، وأخيرا كرئيس للجمهورية فى ظل حكم توجهه محددات عديدة، فى مقدمتها نظرية ـ ولاية الفقيه ـ وتناول الفصل السادس "التيارات التقدمية من منظور تاريخى مقارن تيار يسار البلشفيك فى روسيا السوفيتية والتيار الإسلامى التقدمى فى إيران"، مقارنة آراء ومواقف اليسار البلشفيكى خلال الثورة الروسية والتيار الإسلامى التقدمى خلال الثورة الإيرانية فيما يتصل بقضايا بعينها وتطورات لحقت بالحالة الثورية فى البلدين، وترتبط بالحالة الإقليمية والدولية القائمة فى زمن كل منهما وهناك عوامل ضعف نجدها فى اليسار البلشفيكى فى روسيا دون حالة التيار الإسلامى التقدمى فى إيران ومن ذلك الصراعات ذات الطابع الشخصى أو الفصائلى التى دارت، والتى خدمت فقط مصالح منافسيهم اللينينيين كما أن التزام اليسار البلشفيكى وإصراره على الاستمرار داخل صفوف الحزب اللينينى، أسهما بشكل سلبى على تأثير اليسار وعلى هامش حرية الحركة المتاح لها كما أثبت فى نهاية المطاف أنه يصب لصالح لينين الذى كان فى الأساس مناضلا من أجل سيطرة الحرب، كما أثبت هذا الموقف أنه شكل ضربة قاضية لليسار البلشفيكى وأشار المؤلف فى الفصل السابع والأخير من الكتاب والمعنون ـ رؤية مقارنة للتيار الإسلامى التقدمى فى إيران بين ثلاثة عهود - إلى أنه فى ظل ما يمكن اعتباره المرحلة الانتقالية التى مر بها نظام الجمهورية الإسلامية فى إيران، منذ نجاح ثورة فبراير 1979 عقب انتخاب الرئيس محمد خاتمى المنتمى للتيار الإسلامى التقدمى داخل المؤسسة الدينية الحاكمة لرئاسة الجمهورية فى مايو 1997، والتى يجوز أن نطلق عليها مرحلة التحول من الثورة إلى الدولة وبناء مؤسساتها، سواء خلال الفترة الأولى للثورة أى ما بين 1979 و1981 أو فى فترة الولاية الثانية للرئيس الأسبق على أكبر هاشمى رافسنجانى ما بين 1993 و 1997 خاصة الفترة التى انتهت بالانتخابات النيابية لـ"المجلس" (البرلمان) الإيرانى فى 8 مارس 1996، أو خلال فترة حكم الرئيس السابق خاتمى وختاما، فإن تجربة التيار الإسلامى التقدمى فى إيران أثبتت ـ بما لا يدع مجالا للشك ـ أن الأديان ليست فى حد ذاتها أفيونا للشعوب، ولا هى أيضا دعوات ثورية، وإنما يتحدد دورها السياسى ـ إلى حد كبير ـ بناء على القوى التى تحمل لواء هذا الدين وأفكارها ومصالحها، بالإضافة إلى الإطار الفكرى والسياسى والاقتصادى والاجتماعى المحلى والإقليمى والدولى الذى تتحرك داخله.