نهضت أغلبية الاقتصادات العربية منذ منتصف القرن العشرين وخاصة بعد تحقيق أقطارها تباعاً الاستقلال السياسي. وقد قدم بعضها في فترات مختلفة نماذج جيدة في مجالي الإسراع بمعدلات النمو والاضطلاع بنشاطات حيوية للتنمية. ويلاحظ في المقابل تخلف معدلات تنمية الاقتصادات العربية عن معدلات نموها السنوية، وتقلب إيراداتها وأسواقها واستثماراتها، و...
قراءة الكل
نهضت أغلبية الاقتصادات العربية منذ منتصف القرن العشرين وخاصة بعد تحقيق أقطارها تباعاً الاستقلال السياسي. وقد قدم بعضها في فترات مختلفة نماذج جيدة في مجالي الإسراع بمعدلات النمو والاضطلاع بنشاطات حيوية للتنمية. ويلاحظ في المقابل تخلف معدلات تنمية الاقتصادات العربية عن معدلات نموها السنوية، وتقلب إيراداتها وأسواقها واستثماراتها، وتشوه العلاقات الهيكلية لبعض عناصرها وقطاعاتها ومؤسساتها وارتباطاتها الدولية. ومما هو معروف لدى المهتمين كافة أن جانباً من العوامل المسببة لهذه الظواهر ينبع من خارج العالم العربي. لقد تجسدت هذه العوامل في جملة من التحديات الدولية؛ وهي تظهر في شروط للتحولات التكنولوجية والتسهيلات الائتمانية، أو في قيود على صادرات الأقطار العربية وخاصة من المنتجات الصناعية التحويلية، أو في مناورات استراتيجية على الصادرات الأولية وأثمانها الدولية، أو في سياسات الدول الصناعية وتكتلاتها القارية، أو في ما تكرسه المؤسسات عبر الوطنية من إمكانيات التحكم والتي تمتد بتشابكاتها الدولية إلى أنحاء العالم كافة وإلى مختلف النشاطات الاستثمارية والتبادلية.ومن هنا تبرز أهمية هذا البحث في بيان أنماط التنمية الصناعية السائدة في العالم العربي، عبر اختبار الفرضية التالية: "إن استمرار خصائص التشوه الهيكلي في القطاع الصناعي وتشتت الجهود التنموية القطرية وضعف التوجهات الجماعية قد تكالبت على إضعاف الدور الحقيقي للتنمية الصناعية العربية في مواجهة التحديات الدولية". وقد تطلب اختبار هذه الفرضية من الباحث القيام بدراسة مسارات التنمية الصناعية في العالم العربي وتحديات القوى (أو المؤثرات) الاقتصادية الدولية لهذه التنمية وما حققته جهود المواجهة المتباينة في مجالاتها الجغرافية والمؤسسية، وذلك وفق أسلوبين متكاملين للتحليل؛ أحدهما يقوم على التحول من المستوى العربي إلى المستوى القطري، والآخر ينتقل من الوقائع الجزئية إلى الاتجاهات العامة.