إن مما لا شك فيه أن اليمن كانت لها حضارة موغلة في إثباج الماضي، وأنها سبقت مدينة الإغريق والرومان في تشييد الصروح والقصور والمعابد وتجميلها بالزخارف والنقوش والتهاويل، وأن سبأ ومأرب كانتا محط رحال النوابغ، ومثابة لرجال الفنون كالبنائين والحفارين والمصورين، وإن فن العمران بها كان قد سبق زمن (أقليدس) أستاذ الهندسة الأكبر كما يستفا...
قراءة الكل
إن مما لا شك فيه أن اليمن كانت لها حضارة موغلة في إثباج الماضي، وأنها سبقت مدينة الإغريق والرومان في تشييد الصروح والقصور والمعابد وتجميلها بالزخارف والنقوش والتهاويل، وأن سبأ ومأرب كانتا محط رحال النوابغ، ومثابة لرجال الفنون كالبنائين والحفارين والمصورين، وإن فن العمران بها كان قد سبق زمن (أقليدس) أستاذ الهندسة الأكبر كما يستفاد ذلك من أطلالها التي تدل بنقوشها أنها كانت قبل أن يعرف العالم اقليدس. وكانت اليمن وعرف وجودها قبل أن تشاد بيوت النيران، ومعاقل الأوثان، وأديار الكهان، قبل أن يبني خوفو هرمه العظيم، ويؤسس سرجون الأول دعائم ملكه بالبحر المتوسط وجزر اليونان، ويخرج موسى عليه السلام ببني إسرائيل من أرض الفراعنة: كانت شريعة "حمورابي" أول شريعة عرفها البشر، واليمن تنظر إليه بعين الإعجاب لأنه فرع من دوحتها العظيمة وذلك قبل أن ينشر بوذا تعاليمه على ضفاف الكانج بقرون. وقديماً أطلق عليها الرومان والفرس واليونان اليمن السعيدة، والجزيرة الخضراء. عرفت اليمن وعرفت حضارتها الرائدة وعمرانها الزاخر، وعلومها المنتجة، وفنونها الجميلة، قبل أن تعرف أي مدينة على وجه الكرة الأرضية، ثم كانت مدنيات موغلة في القدم كالمدينة الكلدانية والآشورية والكنعانية والفرعونية، والفينيقية، وفي بعض بقاع المعمورة كالهند، والصين، وما تك إلا قبسات نور انبثق من هذه البلاد كما سيكشف عنه المؤلف في هذا الكتاب.ونظراً ما لليمن من أهمية حضارية فقد أصبح يدرّس في جامعات الغرب كفن مستقل: تأريخ اليمن القديم وما به من النقوش والآثار والعاديات وما خلّفه آباء اليمنيين من آداب وثقافة صقلت العقل الإنساني وازدانت بها حضارة البشر في أيامهم، وهي اليوم كعبة تحج إليها أفئدة النوابع افتتاناً بروعتها وجلالها، وترتشف من معينها العقول ويتخذ منها الأقوام درعاً لتوطيد أركانها وتخليد كيانها. ذلك ما حدا بالعلاّمة أحمد بن أحمد بن محمد المطاع إلى تقليب صفحة من صفحات تاريخ هذه الأمة الضخم، والتنقيب عن بعض فرائد عقدها الثمين. والمطاع الملقب بالشهيد هو الأديب العلامة أحمد بن أ؛مد بن محمد المطاع العباسي مولده سنة 1325 بصنعاء ونشأ بها وأقبل على العلم والأدب بفهم صادق. وقد كتب نبذه من التاريخ اليمني بعبارات شيقة، وذلك في حدود المائتين إلى رأس الألف أيام أسست لجنة التأليف اليمني وقد توفي شهيداً بعد ثورة سنة 1367 بتهمة اشتراكه في اغتيال الإمام "يحيى".