قد يكون الكاتب المسرحي والسينمائي البريطاني هارولد بينتر من أكثر الكتاب الملتزمين سياسياً في العصر الحديث. فبينتر المولود في العام 1930 والمتوفي في 24كانون الاول 2008، حاز جائزة نوبل في العام 2005 لقاء مجمل كتاباته في المسرح والسينما والشعر. وقد أنجز بينتر في حياته 30مسرحية، فيما تركزت معظم أعماله في الشؤون السياسية والإجتماعية،...
قراءة الكل
قد يكون الكاتب المسرحي والسينمائي البريطاني هارولد بينتر من أكثر الكتاب الملتزمين سياسياً في العصر الحديث. فبينتر المولود في العام 1930 والمتوفي في 24كانون الاول 2008، حاز جائزة نوبل في العام 2005 لقاء مجمل كتاباته في المسرح والسينما والشعر. وقد أنجز بينتر في حياته 30مسرحية، فيما تركزت معظم أعماله في الشؤون السياسية والإجتماعية، ولم يخش طيلة مسيرته الإبداعية إقتحام المواضيع السياسية الحارقة الآنية وتلك العامة، أي المواضيع السياسية " الخالدة "، التي تصلح لأي زمان ومكان، وفي مركزها دائماً العلاقة بين الفرد والمجموع وبين الفرد والسلطة. من هنا تميُّز أعماله بالقلق المستمر وبمقاطع الصمت التي يكثر من تثبيتها في متن النصوص، وهي مقاطع مثيرة من الناحية الحبكية – الدرامية إلا أنها يمكن أن تكون أيضاً مطبات درامية – إخراجية لأي مخرج قد يطرق تجربة إخراج نصوص بينتر من دون فك لغز الصمت والقلق المسيطيرين على كتاباته. برز في منتصف سنوات الستين في بريطانيا تيار من كتاب المسرح حولوا طبقة العمال إلى أبطال لأعمالهم المسرحية ونقلوهم من مؤخرة الخشبة إلى مقدمتها. كان بينتر واحداً منهم إلا أنه ظل مخلصاً للمفارقة والسخرية الكامنتين في كتاباته، فلم يكتب عن طبقة العمل بالواقعية التي كانت مُتبعة بين زملائه آنذاك، بل كتب عن هذه المواضيع مع كمّ حاضر من المفارقة والغموض، كما في مسرحية " الحفلة "، " الواقع حاضر بشقيه " ،" واقع النادي المغلق " و " واقع الشارع "، أي ما أقرب مايكون إلى الحقيقة ربما، إلى واقع المنبني على نفسه، على أناسه وأفعاله، وليس المنبني على لغة وخطاب يُنتجان لخلقه وصيانته والحفاظ عليه من أي واقع (أقوى) آخر. وتتميز لغة بينتر بأنها لغة عنيفة وقاسية لا هوادة فيها، فهو ككاتب ينظر إلى الواقع بعينين محدقتين لا يخشى ما يسميه البعض " البذءات " أو الكلمات التي تُنعت بالسوقية، إنه يكتب بلغة الناس، بصدقها ومباشرتها (أحياناً) وبقساوتها اللفظية والمعنوية. هذه لغة شائكة وغير إعتيادية ولكنها تنبع من رحم الأيديلوجيا الفكرية والمجتمعية التي آمن بها بينتر.