دوّن نقولا زيادة في صفحات هذا الكتاب ما جاء في التاريخ من حقائق وأحداث متعلقة بالمسيحي العربي، ليضع القارئ أمام صورة واضحة المعالم بينة الخطوط، أساسها أن المسيحية، وهي بذرة واحدة أصلاً، انتشرت في منطقة مترامية الأطراف؛ وقد شغلت تلك المنطقة التي ستكون موضوع البحث في هذا الكتاب رقعة واسعة امتدت من جبال زغروس والخليج العربي شرقاً إ...
قراءة الكل
دوّن نقولا زيادة في صفحات هذا الكتاب ما جاء في التاريخ من حقائق وأحداث متعلقة بالمسيحي العربي، ليضع القارئ أمام صورة واضحة المعالم بينة الخطوط، أساسها أن المسيحية، وهي بذرة واحدة أصلاً، انتشرت في منطقة مترامية الأطراف؛ وقد شغلت تلك المنطقة التي ستكون موضوع البحث في هذا الكتاب رقعة واسعة امتدت من جبال زغروس والخليج العربي شرقاً إلى الصحراء الغربية المصيرية في الغرب، ومن جبال طوروس وجبال أرمينية شمالاًَ إلى البحر العربي وأواسط السودان جنوباً، وهي فضلاً عن سعتها، فإنها تحتوي من التضاريس الأرضية أكثرها تنوعاً، ومن طبيعة التراب أكثرها تبايناً، ومن المناخات أكثرها اختلافاً وتبدلاً، ومهما يكن من أمر فقد لأجزاء تلك الرقعة التي امتدت فيها المسيحية خلفيات حضارية-إثنية ثقافية لغوية تنظيمية-متباينة. فكان أن نمت شجيرات صغيرة اختلفت الواحدة عن الأخرى اختلافاً قد يكون يسيراً، وقد يصل إلى أكثر من ذلك. وهذه الشجيرات أصبحت، مع الزمن، أشجاراً عاتية وظلت لها صفاتها المميزة واستمرت واحدتها تختلف عن الأخرى، ولم يكن هناك انشقاق شجرة عن شجرة ولا تفرع خروجي في أي من الحالات. لكن الطبيعة البشرية التي لا تمسح دوماً لوجهات النظر المتباينة أن تسير في طريقها الطبيعي، والتي ترى فئات معينة أن من واجبها ردّ الجماعة إلى نفسها، باعتبارها هي التي تسير في الطريق الصحيح وأن غيرها مخطئ، هذه الفئات تبدأ باتهام الجماعات الأخرى بالخروج عن الطريق السوي والهرطقة في العقيدة وإفساد الناس، وهذا الضلال الذي تتهم به هو الذي يجب أن يقضي عليه، ولجأت الفئات المسيحية والمنظمات الأسقفية والبطريركية إلى عقد مجامع مسكونية (أو إقليمية) لرأب الصدع. ولكن الخلاف كان يظل خلافاً قد يزيد الفتق، على نحو الخلاف حول المسيح وطبيعته.ومهما يكن من أمر، فقد أثمرت الجهود، فيما بعد، على اختلاف التوجهات والتوجيهات، إلى نقل فئات من الطوائف الأرثوذكسية، فكانت هناك طوائف: الروم الكاثوليك والأرمن الكاثوليك والأقباط الكاثوليك والسريان الكاثوليك والكلدان، هذا ما حاول المؤلف الكشف عنه في بحثه هذا المتعلق بالمسيحي في تلك المنطقة العربية المشار إلى امتداداتها آنفاً. ومن ناحية ثانية فهو يقول: أن نقولا زيادة (المؤلف) المسيحي الأرثوذكسي العربي سير على هدى قديم في ذلك مثل جريس وطنوس وشنودة، فكل من هؤلاء أصيل في جماعته وطائفته، ولم تنشق طائفة عن طائفة ولا خرجت جماعة عن جماعة، وإذن فكلمات الانشقاق والهرطقة والخروج يجب أن تحذف من القاموس المسيحي، وأن يصرف الجهد لا في توجيه اللوم إلى الآخرين بل إلى توضيح الأمر داخلياً كي تصفى النفوس. ومن ثم يطرح المؤلف تساؤلاً وهو: والمسيحي الذي يعيش في العالم العربي اليوم، ما هو موقفه الشخصي ومن ثم الرسمي؟ ليجيب عن ذلك في محاولة لرسم صورة المسيحي، بل صورة المواطن العربي المسيحي الذي يعيش في عالم تبدل وتطور ومن حقه أن يكون مواطناً في دولة إسلامية، ولا أن يكون مواطناً من درجة ثانية (كما لو كان عربياً في إسرائيل)، وهنا هو يشير إلى أن التجارب السياسية المتنوعة التي تعرض لها المسيحيون في الشرق العربي في أيام الحروب الصليبية إلى اليوم عبر ما تقوم به الدول والمنظمات الغربية قد حملت بعضهم على أن يخطئوا سواء السبيل، ولكن ليس من العدل في شيء أن يلام الجميع بسبب أغلاط فردية أو أخطاء فئات صغيرة، ويؤكد نقولا زيادة هنا بأنه وجريس وطنوس وشنودة هم ورثة حضارة واحدة عربية إسلامية، عمل جميعهم في وقت من الأوقات في بناء صرحها. وهم أبناء أرض نمت هذه الحاضرة فيها، وهم عرب بقدر ما هو كل مقيم في أرض العرب عربي، وهم مثلهم كمثل سائر المفكرين العرب المحدثين الذين بدأوا العمل في الكشف عن تراثهم، نعم تلك حضارتهم التي عملوا فيها قبل نحو ستة آلاف سنة على أقل تعديل. هذا بالإجمال الخطوط العريضة التي رسمت منهج هذا الكتاب ومادته الذي يحاول نقولا زيادة من خلاله تصحيح صورة المسيحية والعرب.نبذة المؤلف:أنا وجريس وطنوس وشنودة ورثة حضارة واحدة عربية إسلامية. عملنا في وقت من الأوقات في بناء صرحها. ونحن أبناء أرض نمت هذه الحضارة فيها. ونحن عرب بقدر ما هو كل مقيم في أرض العرب عربي. وأنا لا أريد أن أذكر دور المفكرين العرب المحدثين في الكشف عن التراث الإسلامي العربي الضخم، فهذا أمر يجب أن يكف عنه لأننا إنما نحن نقوم بذلك كشفاً عن تراثنا -نعم هذه حضارتنا التي بدأ العمل فيها قبل نحو ستة آلاف سنة على أقل تعديل.