" ألم تشتق لدفء إخوتك المساكين وقد دوختهم الدنيا البعثية والحرب؟ سلاّمة ...وسلاّمة أين تغرق لعنة حبها. قف إنتظر إنتظر لا تفتح باب الدار خلسة وتترك أهلك يتثاغبون عليك. إنتظر – ولك أوكف – إنتظر لا ترد الباب خلفك بهدوء لص، تداريه وكأنه مسدود. إنتظر لا تطلع... لا تخرج وتبتعد عن البيت...لا لا تهرب، لا تكن جدياً أعمى وجدياً أرعن، لا ت...
قراءة الكل
" ألم تشتق لدفء إخوتك المساكين وقد دوختهم الدنيا البعثية والحرب؟ سلاّمة ...وسلاّمة أين تغرق لعنة حبها. قف إنتظر إنتظر لا تفتح باب الدار خلسة وتترك أهلك يتثاغبون عليك. إنتظر – ولك أوكف – إنتظر لا ترد الباب خلفك بهدوء لص، تداريه وكأنه مسدود. إنتظر لا تطلع... لا تخرج وتبتعد عن البيت...لا لا تهرب، لا تكن جدياً أعمى وجدياً أرعن، لا تركب راسك، لا تهرب. طيح الله حظك يوم ولدت ويوم تموت ويوم تبعث حياً. أنا الآن أطفو في الشارع مبتعداً عن البيت وعن دكان كشكول. إخترقت الظلام ونباح الكلاب، خلفت ورائي قطاع (33) بإتجاه الحديقة الكبيرة ومستشفى الجوادر، عازماً ومصمماً بكل جوارحي على الهرب خارج العراق.شبعت من مرارة هروب الداخل، ثلاث سنين وأنا أتقيأ موتي من تخمة المرارة. إطمئن ياعمي ( هاني ) سألتحق بالجيش – لا جاك الذيب ولا جاك الواوي. سأعود ياأبي إلى العسكرية فلا ترتعب من إقتحام البيت من قبل المسعورين الراكضين وراء الهاربين. سألتحق بلا رجعة، لن تروني بعد ياأمي. آخ يا سلاّمة ... هل تهريبن معي؟ إلى أين تهرب معي وأنا لا أعرف أين سيقودني مزاج القدر، إلى صحراء أقطعها وأعبرها؟ إلى أمواج شط العرب وكواسجه، إلى جبال كردستان ومتاهاتها. ظل مصير ( أوميد) مفتوحاً على كل الإحتمالات عند أمه التي تركض وراء عجاج القيل والقال، تركض وراء عطر إسمه، مرة تسمع أنه في (الشماعية) فتركض وتدخل في عنابر المجانين عبر شبكة معقدة من الوساطات والرشوة ودموع التوسل. لا تشم أثراً لرائحة ( أوميد ) حتى في المحاجر الإنفرادية، وإسمه غير مدون في سجلات المرضى القدماء منهم والجدد.ومرة تركض إلى منطقة ( الدبس ) في كركوك، وتركض مرة أخرى إلى السماوة فقد سمعت أن كل الأكراد يحمونهم هناك، لكنها تعود وارمة القدمين، تخرّ من جسدها وثيابها شآبيب رمل الصحراء، حتى سقطت بالضربة القاضية لمرض السكر وإرتفاع ضغط الدم بعد لقائها العاصف بـ (خضرقد ) صديق إبنها الذي كان معه في المعتقل، عثرت عليه بعد حملة بحث وإستقصاء يفشل فيها أحنك رجال الأمن والإستخبارات. لكن ماذا سيخبرها ( خضرقد) وكيف يجعلها تطمئن على مصير إبنها. إرتبك وإنعقد لسانه في البدء، ثم تذكر كيف كانا يحبسان ضحكهما وكيف يتهامسان حتى الصباح داخل الزنزانة، يتذكر ضاحكاً ماقال له ( أوميد ): يعيرونني مذكنت طفلاً وحتى الآن ( كردي أبو جنبة ). وكنت أغتاظ وأنزعج وأسبّ وأشتم رغم أني لا أعرف معنى ( الجنبة ) إلى اليوم، هل تعرفها أنت؟ ويضحك (خضرقد) مع ( أوميد ) لأنه هو الآخر لا يعرف ما هي ( الجنبة ) ثم يقول ( أوميد): أنا محصور بين ثلاث ورطات واحدة أخطر من الأخرى، أولاً تورطت وولدت كردياً ولا ذنب لي في ذلك. ثانياً تورطت وخرجت إلى الدنيا شيعياً ولا ذنب لي في ذلك أيضاً. ثالثاً تورطت بإرادتي وإختياري وإنتميت للحزب الشيوعي ولهم الحق في معاقبتي ومحاسبتي عليه لأنه إختياري، وذنبي أنا وحدي.يكشف الروائي ضمن مشاهد درامية المعاناة التي كان يعيشها العراقيون في ظل حكم ديكتاتوري مخابراتي وصنوف التعذيب التي كان يلاقيها الشباب الذين كانوا يساقون إلى سجون التعذيب بسبب إنتماءاتهم السياسية أو حتى العرقية.