هذا الكتاب يقدم دراسة لتجارب التاريخ الوحدوية، تقارن بينها بغية كشف القوانين العامة التي تسودها، وتُعيد ذاتها فيها. القصد من ذلك هو الوصول إلى نظرية وحدوية علمية جامعة لهذه التجارب تحدد الطريق إلى دولة الوحدة بتحديد العملية الموضوعية التي كان يتم فيها الانتقال من حالة تجزئة إلى حالة وحدة.وبشكل عام تشكل مادة هذه الدراسة محاولة مت...
قراءة الكل
هذا الكتاب يقدم دراسة لتجارب التاريخ الوحدوية، تقارن بينها بغية كشف القوانين العامة التي تسودها، وتُعيد ذاتها فيها. القصد من ذلك هو الوصول إلى نظرية وحدوية علمية جامعة لهذه التجارب تحدد الطريق إلى دولة الوحدة بتحديد العملية الموضوعية التي كان يتم فيها الانتقال من حالة تجزئة إلى حالة وحدة.وبشكل عام تشكل مادة هذه الدراسة محاولة متواضعة في تقديم نمط فكري جديد، ينقض من الأساس، النمط الفكري الذي ساد الفكر الوحدوي حتى الآن. إنها تجد قيمتها الأولى في طرح السؤال الصحيح فيما يتعلق بالطريقة إلى الوحدة. لهذا على القارئ أن يكون من ناحية عام منفتحاً لمواجهة القضية الوحدوية في ضوء جديد يجردها من المفاهيم التي اعتاد على كونها مقترنة بها حتى الآن.إنها دراسة لا تنطلق من مواقف ميتافيزيقية وتبشيرية، بل تعود إلى الظاهرة الوحدوية ذاتها عبر التاريخ-تجارب الانتقال من حالة تجزئة إلى حالة وحدة-وترك هذه الظاهرة تتكلم عبر القوانين الموضوعية العامة التي تعبر عنها وتسودها. هذه هي الغاية من هذه الدراسة. إنها الكشف عن النظام العام الذي ينظم الظاهرة الوحدوية. القصد لم يكن تجميع الوقائع والحقائق حول تجربة أو تجارب وحدوية معينة، بل الوصول عن طريق ذلك إلى النظام العام الذي تشارك فيه، والذي ينظمها في قوانين واحدة تسودها.وفي سبيل تحقيق هذا الهدف تمّ تقسيم الدراسة إلى قسمين، في القسم الأول نجد القوانين الرئيسية التي تسود عملية الانتقال من التجزئة إلى الوحدة، من الانفصال إلى الاتحاد. إنها لولب ومنطلق هذه العملية، ومن دونها لا يمكن عادة تحقيق هذا الانتقال، تجاوز التجزئة وإقامة الاتحاد. لهذا كانت أساسية. إنها، أولاً، وجود إقليم-قاعدة يرتبط به ويتمحور حوله العمل الوحدوي في الأقطار أو الكيانات المستقلة المدعوة إلى الاتحاد. وثانياً، وجود قيادة مشخصنة تستقطب مشاعر الشعب وتكسب حماسته وولاءه عبر الحدود الإقليمية. وثالثاً، وجود مخاطر خارجية تولد الضغوط والتحديات التي تدفع إلى الاتحاد.أما القسم الثاني، وهو يتشكل من عدد أكبر بكثير من الاتجاهات الواحدة المتكرر، كتوفر لغة واحدة، تماثل إيديولوجي، وتماثل اجتماعي سياسي الخ... بين الأقطار أو الكيانات المستقلة المدعوة إلى الاتحاد، لا يستطيع في ذاته، حتى بتوفر جميع عناصره، أن يحقق الاتحاد. فهو يمارس دوره ويجد فاعليته في العمل مع وفي خدمة القوانين الرئيسية. إنه إعدادي لأنه يساند هذه الأخيرة، يمهد الطريق ويختصرها أمامها. إنه ضروري جداً ولكن ضرورته تنحصر في هذه الدور.تتركز الدراسة، بالتالي، على القوانين الرئيسية وتدور حولها، لأنها تمثل الأساس الذي من دونه لا وجود لاحتمال تحقيق اتحاد سياسي في مجتمع مجزأ أو كيانات مستقلة، ولأن وجودها ضروري كي يتمكن القسم الثاني من ممارسة دوره الوحدوي. لهذا فهي تكتفي بإشارة سريعة إلى هذا القسم، وتستخدم ما يتوفر لديها من مجال في عرض وتحليل القوانين الرئيسية. إنها تقدم كل قانون من هذه الأخيرة برجوع عام، مفصل نسبياً، إلى تجارب التاريخ الوحدوية، تدلل فيها على وجوده، ومن ثم تقترح تفسيراً له في ديالكتيك الوضع الوحدوي الذي يعبر عنه. هنا تجدر الإشارة بأن هذا الكتاب يكمل كتاب "النظرية الاقتصادية والطريق إلى الوحدة العربية"، وهو امتداد له.