تعد تجربة "الروائي جمال ناجي من أنضج التجارب الروائية في الأردن، على الرغم من أن عمرها ما زال قصيراً نسبياً (1982-1993)، ويتمتع صاحب هذه التجربة بمكانة بارزة على خريطة الرواية الأردنية. بدأ ناجي تجربته في الإبداع الأدبي بكتابة روايته "الطريق إلى بلحارث" وجاءت هذه الرواية انعكاساً لتجربته الذاتية في السعودية، إذ إنها بدأت متأثرة ...
قراءة الكل
تعد تجربة "الروائي جمال ناجي من أنضج التجارب الروائية في الأردن، على الرغم من أن عمرها ما زال قصيراً نسبياً (1982-1993)، ويتمتع صاحب هذه التجربة بمكانة بارزة على خريطة الرواية الأردنية. بدأ ناجي تجربته في الإبداع الأدبي بكتابة روايته "الطريق إلى بلحارث" وجاءت هذه الرواية انعكاساً لتجربته الذاتية في السعودية، إذ إنها بدأت متأثرة بالطرح الرومانسي، الذي بدا بارزاً وواضحاً في الرواية.إلا أن هذا الطرح لم يجردها من الواقعية المتعلقة بتجربة العمل والعادات والأرض والأهم من ذلك كله الرؤية الاجتماعية لمشكلة الفقر خاصة. أما من حيث التقنيات الفنية، فقد جاءت لغة السرد باستخدام ضمير الأنا، وإن كان المعمار الفتي بسيطاً، فإن ناجي العلي استطاع تطويع مادته اللغوية بمعمار زمني بسيط، لرسم معاناته الذاتية من ناحية ومأساة الإنسان الفلسطيني في صحراء النفط بحثاً عن حياة أفضل من ناحية أخرى.وفي الرواية الثانية "وقت" بدا ناجي قد أفاد بشكل جيد من لنقد الذي دار حول روايته الأولى، وإن لم تخرج هذه الرواية من إطار الطرح الرومانسي، إلا أن هذا الطرح قد تقلص بشكل كبير. وأصبحت الرواية تلامس الواقع أكثر من الأولى. ضمت الرواية نماذج اجتماعية متنوعة وغنية، فالشخصيات كانت وسيلة أكبر للتعبير عن الواقع، حيث تراوحت الأحداث الخارجية مع معاناة المخيم، ومن هنا يظهر العنصر الواقعي دون الرومانسي لإنضاج بنية الرواية، وإسهام العنصر الواقعي في إعادة الوعي لهذه الشخصيات، وفي الرواية الثالثة "مخلفات الزوابع الأخيرة"، بدأ ناجي ولأول مرة بعملية مدهشة ومتميزة، وهي الشروع في إنشاء مدينة كاملة من الصغر إلى أن استوت عالماً متكاملاً يضج بالحركة والصراعات الاجتماعية والشخصيات والرموز البشرية. لكن ناجي وبتشكيله لهذه المدينة، استطاع تصوير ما تحمله من صراعات فكرية واجتماعية، عكس بدوره واقعية أكثر من الروايتين السابقتين، إضافة إلى اتساع ثقافة الكاتب ومعرفته الدقيقة بتفاصيل حياة الغجر.ومعالجة ناجي للصراعات الاجتماعية والفكرية الراهنة، لا تعني أنه كان منفصلاً عن قضيته الأساسية (الأرض الفلسطينية)، لأن محور الرواية يقوم على الصراع المكاني، كما أن التطور الفني بدأ واضحاً، باستخدامه صيغة الروائي العلمي، إضافة إلى اللغة الإيجابية المكثفة، فاللغة كانت تراعي تجربة السكان كونها لغة لاهثة، واللغة كانت تثري العمل، لأنها تعطي أكثر من مشهد في الآن نفسه"، وأصبح القارئ يحس بأنه يشارك في بناء النص من خلال التقنيات الفنية وأهمها اللغة. على أن تأثير عمل ناجي في المجال الصيرفي بدأ واضحاً في روايته الرابعة "الحياة على ذمة الموت"، من حيث البناء والمضمون، فالرواية كانت تمثيلاً مرحلياً لعملية التحول الاقتصادي في الأردن مع بداية 1988.ولأهمية التجارب الروائية التي قام بها هذا الروائي اعتنى الدارسون بوضح دراسات وبحوث تناولوا فيها دراسة تجربة ناجي بشكل عام، إلا أنه لم يصدر حتى الآن دراسة شاملة ومتخصصة تقيم تجربة جمال ناجي بأكملها، لذا جاء هذا الكتاب الذي بين أيدينا والذي عنى بدراسة الرؤية والتشكيل في روايات جمال ناجي، وليحيط المؤلف بجميع جوانب موضوعه قسم دراسته إلى خمسة فصول، تناول في أولها البنية الاجتماعية والرؤية الفكرية لمختلف تجارب جمال ناجي الروائية. أما في الفصل الثاني فتناول تجليات المكان الروائي وذلك من خلال تقسيمه إلى ثنائية المكان الحاضر والغائب، والمدينة التشكيل والرؤية، مركزاً على طبيعة الوصف المكاني، وما تحمله من دلالات ورموز، وعلاقة ذلك ببنية الرواية. ودرس في الفصل الثالث بناء الزمن الروائي، أما في الفصل الرابع فتناول بناء الشخصية الروائية مركزاً على طبيعة رسم الشخصية وتقديمها، وعلاقة ذلك بالمضمون الروائي، إضافة إلى علاقتها بالروائي، والمدى الذي استطاع فيه ناجي تقديم شخصياته بشكل موضوعي وفني. ودرس في الفصل الخامس والأخير اللغة الروائية، مركزاً على شعرية الأسماء، وشعرية لغة السرد، ولغة الحوار، وذلك بعد المهاد النظري لشعرية الرواية.