ما يزال فردينان دو سوسير الذي ستمضي بعد وقت غير بعيد مائة سنة على وفاته يؤجج حماسة الباحثين: فالمقالات والكتب عنه تتكدّس في أنحاء العالم. لماذا هذا الاهتمام بعَلَمٍ من أعلام اللسانيات في الوقت الذي بدأت فيه اللسانيات تصبح مُملّةً كما يقال؟ذلك لأن تأمّل سوسير الطويل في اللسان واللغات هو تأمل عميق كل العمق. لقد سَبَرَ سوسير، بصبر ...
قراءة الكل
ما يزال فردينان دو سوسير الذي ستمضي بعد وقت غير بعيد مائة سنة على وفاته يؤجج حماسة الباحثين: فالمقالات والكتب عنه تتكدّس في أنحاء العالم. لماذا هذا الاهتمام بعَلَمٍ من أعلام اللسانيات في الوقت الذي بدأت فيه اللسانيات تصبح مُملّةً كما يقال؟ذلك لأن تأمّل سوسير الطويل في اللسان واللغات هو تأمل عميق كل العمق. لقد سَبَرَ سوسير، بصبر لا ينفد، وبقلق في بعض الأحيان، كلَّ «كهوف» ـ والكلمة مقتبسة منه ـ اللسان. وقد بلغت الصعوبات التي تنشأ عن «الازدواجية» الجوهرية للموضوع المدروس حداً جعل سوسير يعزف تماماً عن نشر نتائج تأملاته، وهي تأملات لم تشع بين الناس إلا بعد موته. لكنه اكتشف في مسيرته العلمية «أواصر القربى» بين اللسان و«السيميولوجيات» الأخرى التي هي الكتابة والحكاية الخرافية والأسطورة، واصطدم اصطداماً شعر معه بالألم بلغز «الجناس التصحيفي» في الشعر.وسيكون أثر هذا الفكر الذي لم يبلغ غايته حاسماً؛ إذ شمل اللسانيات والسيميولوجيا في آنٍ معاً، وتجاوز علوم اللسان ليصل إلى علوم الإنسان كلها: لنفكر في ميرلو ـ بونتي وليفي ستروس ولاكان. لقد سعى ميشال أرِّيفيه في هذا الكتاب، متحلياً بصبر يريده، شأنه شأن صبر اللساني الكبير، لا ينفد، إلى سَبْرِ البِنية العميقة لفكر سوسير.