المقدّمـةإنَّ مسألةَ التلوثّ البيئيّ، تُعدُّ اليومَ من أهمّ الموضوعات في العصر الحديث، لعلاقتها المباشرة بحياة الإنسان، وارتباطها ببقائه ذاته، فقد وجدتْ جميعُ الموارد الطبيعيّة على الأرض، من أجل خدمته وتحقيقاً لمنفعته، وبذلك انفرد بهذه الميزة عن سائر مخلوقات الأرض، بأن سخَّر الله عز وجلّ له كلّ ما فيها، عندما أوجد عليها مقومات ا...
قراءة الكل
المقدّمـةإنَّ مسألةَ التلوثّ البيئيّ، تُعدُّ اليومَ من أهمّ الموضوعات في العصر الحديث، لعلاقتها المباشرة بحياة الإنسان، وارتباطها ببقائه ذاته، فقد وجدتْ جميعُ الموارد الطبيعيّة على الأرض، من أجل خدمته وتحقيقاً لمنفعته، وبذلك انفرد بهذه الميزة عن سائر مخلوقات الأرض، بأن سخَّر الله عز وجلّ له كلّ ما فيها، عندما أوجد عليها مقومات العيش الكريم، وأمر الإنسان بأن يعمّرها ويستصلحها، وألاّ يفسد في نظامها، فطوَّع له حيواناتها ونباتاتها، وكل ما في البرّ والبحر، قال تعالى: هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً، "سورة البقرة آية 29". فليس للانسان التصرّف بشكل يؤدي إلى الإخلال بالنظام الطبيعيّ للأرض، وإلاّ سيلقى عقاباً يناله يوم القيامة. فالإسلام حافظ على البيئة وعناصرها المختلفة، في منهجيّة متكاملة الجوانب متناسقة الأركان، من خلال التركيز على تهذيب سلوك الأفراد، سواء مع بعضهم البعض، أو مع عناصر طبيعتهم، وبالتالي فإنّه يقدّم رؤية خاصّة وفذّة لتعامل الانسان مع الأوساط المحيطة به(1). إنمّا هذا الاهتمام، بضرورة حماية عناصر الطبيعة، لم يكن حِكْراً على شريعتنا وحدها، فقد دعت كافة الشرائع السماوية التي سبقتنا، إلى وجوب المحافظة على الطبيعة من التدهور والإفساد، ولكن وبالرغم من ذلك، لم تسلم عناصر الطبيعة من اعتداءات الإنسان عليها، أسوة بأعتدائه على أقرانه من البشر، وبدأ ذلك مع اكتشافه النار، وتوسع أوجه استعمال المياه في مجالات عديدة في الحياة، كالزراعة وإدارة الطواحين... إلخ. إلاّ أنّ ما يمكن قوله، هو إن تأثير الإنسان على الأوساط البيئية من حوله، كان معدوماً أو ضعيفاً في بادئ الأمر، إذ لم تكن لديه الوسائل التي بين يديه الآن، ليهتك بالبيئة، كصيد الطيور أو تقطيع الأشجار، أو الرعي غير المنظم، ممّا تستطيع الموارد الطبيعية أن تستوعبه، لندرة تأثيره عليها، فلم تكن البيئة تعاني آنذاك من الأضرار التي تشهدها اليوم، إذ كانت الطبيعة تسترد عافيتها بشكل تلقائي، لضآلة أثر الأضرار التي تصيبها، ولم تكن بحاجة لتدخّل البشر لإنجاز ذلك، بعكس ما هو عليه الوضع في عصرنا الحاضر، إذ إنها تنتظر من الإنسان أن يقوم بمساعدتها على إزالة الأضرار التي سببها لها، لأنها أصبحت عاجزة عن القيام بذلك بمفردها، فصور التلوث كانت بسيطة، وأقل تأثيراً على حياة الإنسان والأوساط البيئية، وتمثلت بالمضايقات الناجمة عن استعمال الأشياء التي يقتنيها الإنسان، ليستخدمها في مجال نشاطاته المختلفة، كالإزعاج المتأتي عن أصوات عجلات العربات التي تجرها الخيل في الشوارع المرصوفة بالحجارة، أو الروائح المنبعثة من زريبة حيوانات الجيران، أو كما الأضرار الناجمة عن استعمال الأرض واستغلالها،... الخ. لذلك لم تكن هناك من حاجة لسن تشريعات بيئية. إلا أن ذلك لا يعني، بأن فكرة الاهتمام بالمسائل البيئية، كانت معدومة الأثر، لدى الحضارات التي سبقتنا، فنظرة بسيطة ومتمعنة لما ورثناه عن القدماء (كالفراعنة والبابليين)، تُظهر لنا بأنهم كانوا يعملون وفق نماذج ومعايير دقيقة، مخططة ومدروسة، كبناء أهرامات مصر، مما يدل على أنهم كانوا يأخذون بعين الاعتبار الموقع المناسب عند بناء تلك المعالم. وفي العصور الوسطى تبرز لنا البراعة كذلك، في المعايير التي وضعتها التوجيهات والأوامر الصادرة عن الملوك، عند تخطيط المدن، مثل: مدينة لندن، وباقي المدن البريطانية(1)، إلى أن تكرست فكرة التخطيط هذه في عصرنا الحاضر، ضمن ما يسمى بأنظمة البناء والعمران، التي تأخذ بعين الاعتبار، التأثيرات السلبية للمشروع المنوي إنشاءه، على الأوساط البيئية المختلفة.وعلى ذلك، فبالرغم من عدم وجود تشريعات خاصة عندهم، تعنى بحماية البيئة، كانت هنالك نصوص متناثرة في بعض القوانين، تعالج بعض المسائل البيئية، وتفرض العقوبات حال انتهاك الإنسان لعناصر الطبيعة. مثال ذلك، قانون العقوبات، وقوانين الصحة العامة، والتنظيمات الزراعية، وقوانين تخطيط المدن والقرى، وقانون السوابق البريطاني، الذي ساهم بشكل ملحوظ بحماية البيئة من التلوث، من خلال معاقبته لبعض أشكال المضايقات، كالإزعاج، والأضرار الناجمة عن استعمال الأرض واستغلالها(2).