في عرض موجز وسريع لم يترك الباحث والمفكّر الإيرانيّ الدكتور منصور مير أحمدي تفصيلًا صغيرًا في حركة العلمانيّة الإسلاميّة في العالم الإسلاميّ إلّا وذكره. من منشئها ومنابتها الأساسيّة، للدوافع المحيطة والمؤثّرة، موردًا بعض الأفكار التي نتجت عنها في كلّ من إيران والعالم العربي، حتّى بدا وكأنّه يرسم خريطةً فكريّةً واضحة المعالم. وتح...
قراءة الكل
في عرض موجز وسريع لم يترك الباحث والمفكّر الإيرانيّ الدكتور منصور مير أحمدي تفصيلًا صغيرًا في حركة العلمانيّة الإسلاميّة في العالم الإسلاميّ إلّا وذكره. من منشئها ومنابتها الأساسيّة، للدوافع المحيطة والمؤثّرة، موردًا بعض الأفكار التي نتجت عنها في كلّ من إيران والعالم العربي، حتّى بدا وكأنّه يرسم خريطةً فكريّةً واضحة المعالم. وتحت عنوان "إشكاليّة بناء الدولة وظهور فكرة العلمانيّة الإسلاميّة في العالم الإسلاميّ"، تحدّث الكاتب عن الإرهاصات الأولى التي دفعت باتّجاه التفكير العلمانيّ، وأبرزها:1- مسألة التخلّف في العالم الإسلاميّ: حيث كانت النهضة الغربيّة، والتطوّر الذي حقّقته عاملًا مستفزًّا للمسلمين الذين كانوا يعيشون حينها مشكلة الانحطاط والتخلّف التي بدأت تعصف بالمجتمع الإسلاميّ. فبرزت على إثر ذلك بعض الأفكار التي حاولت إيجاد السبب في هذا الانحطاط، ومنها ما قدّمه الدكتور عبد الرحمن الكواكبي، وعلي عبد الرازق، وغيرهم.2- مسألة بناء الدولة: حيث وضعت انهيار السلطنة العثمانيّة، المسلمين تحت استحقاق بناء الدولة العصريّة، وكان الميدان الأبرز لتبلور الفكر العلمانيّ في العالم الإسلاميّ.أمّا في الفصل الثاني فتناول الدكتور أحمدي البعد المعرفيّ، والإبستمولوجيّ لطرح "العلمانيّة الإسلاميّة"، فرآها انعكاسًا لنظريّة "جادامار" حول الهرمنوطيقا، فتحدّث تفصيلًا حول "تاريخيّة الفهم" و"لغويّة الفهم"، ذلك قبل الخوض بـ"تاريخيّة المعرفة الدينيّة" وتأثّرها بالفرضيّات والأحكام المسبقة (كما يقول أنصار العلمانيّة في الإسلام).وفي سبيل إيضاح المنحى العملي الذي ذهب إليه هذا الفكر طرح المؤلّف بعض الأسماء التي عرفت بريادتها للفكر العلمانيّ في إيران والعالم الإسلاميّ، ليردفها بشرح مقتضب لنظريّة كل من هؤلاء ورؤيته لعلاقة الإسلام بالعلمانيّة وموقفه من مسألة الدولة والحكومة في الإسلام. من أمثال: مهدي بازركان "الذي كان يسعى قبل انتصار الثورة إلى بيان أيديولوجيّة إسلاميّة معتمدًا في ذلك المنهج العلميّ، ثمّ صار ينكر بعدها وجود أيديولوجيّة إسلاميّة، وادّعى استحالتها في الحياة السياسيّة، كما أنكر بعد الثورة –وفي تحوّل جذريّ– فكرة العلاقة بين الدين والدولة، وسعى إلى تقديم نظريّة خاصّة من خلال فهمه الجديد لبعثة الأنبياء". وعبد الكريم سروش الذي عرّف العلمانيّة بأنّها إقصاء للمعرفة الدينيّة، واعتبر أنّ الحكومة العلمانيّة هي الحكومة التي لا منافاة بينها وبين الدين. ولكنّها لا تجعل الدين أصلًا لمشروعيّتها. ومحمّد مجتهد شبستري الذي رأى أنّه "لا يمكن للاجتهاد السائد والمتداول أن يجيب على الأسئلة المعاصرة، وبالتالي فهو بحاجة إلى تغيير جذريّ"، و "لا بدّ من الفصل بين الحقيقة الدينيّة الموحى بها على جماعة معيّنة، وبين المفاهيم والتعابير التي يستخدمها أتباع تلك الحقيقة" وهو بذلك يدعو للفصل بين الحقيقة الدينيّة والمعرفة الدينيّة. كما يرى شبستري أنّ ما يمكن أن ينتظر من الدين على صعيد السياسة هو بيان الأمور الثابتة والقيمة المرتبطة بالحياة السياسيّة، لا تعيين الأساليب والأنظمة السياسيّة. أمّا الإسم الرابع الذي طرحه المؤلّف فكان مصطفى ملكيان والذي لم يذهب لمنحًى أبعد ممّا ذكر أعلاه.أمّا في العالم العربيّ، فطرح الدكتور منصور مير أحمدي أراء بعض المفكّرين مثل محمّد عابد الجابري الذي يعتبر أن ليس في القرآن ما يفيد بصورة واضحة أنّ الدعوة الإسلاميّة هي دعوة لإنشاء دولة أو ملك أو إمبراطوريّة، ومحمّد سعيد عشماوي الذي تعرّض في كتابه الإسلام السياسيّ لنقد الذين يعتبرون الإسلام دينًا سياسيًّا، فيرى أنّ نظريّة الإسلام السياسيّ قامت على فكرة "حاكميّة الله" ويرى أنّ "مثل هذا الفهم يشكّل نموذجًا على التحريفات التي يحاول مؤيّدو الإسلام السياسيّ أن يفرضوها على معنى ومضمون الأحكام القرآنيّة".وفي الفصل الثالث من هذا الكتاب، يعود المؤلّف وتحت عنوان "مفهوم العلمانيّة الإسلاميّة وماهيّتها" ليطرح جميع الأراء السابقة ملتقطًا موارد الالتقاء والاختلاف ليحصّل تعريفًا وصورة إجماليّة عن هذا الموضوع ومن ثمّ الخوض فيما تفرّع عنها من نظريّات وأراء من إنكار لمرجعيّة الدين، وصولًا لاعتماد مرجعيّة العقل في تنظيم الحياة السياسيّة والقبول بفصل الدين عن الدولة.أمّا الفصل الرابع والأخير فخصّصه المؤلّف لنقد هذه النظريّة وتحليلها تحت عنوان "العلمانيّة الإسلاميّة تحت مجهر النقد والتحليل".