لقد بات التحكيم يقدم على أنه نظام عالمي لفض المنازعات التي قد تنشأ عن عقود الدولة ذات الطابع الدولي، والوسيلة الأكثر قبولاً بين الأطراف المتعاقدة وذلك لما يتميز به من خصائص جعلته يفرض نفسه بقوة، ويتفوق على كثير من الوسائل الأخرى بما فيها القضاء. هذه المكانة المرموقة التي يتبوؤها التحكيم دعمها ما يشوب الوسائل الأخرى من سلبيات كثي...
قراءة الكل
لقد بات التحكيم يقدم على أنه نظام عالمي لفض المنازعات التي قد تنشأ عن عقود الدولة ذات الطابع الدولي، والوسيلة الأكثر قبولاً بين الأطراف المتعاقدة وذلك لما يتميز به من خصائص جعلته يفرض نفسه بقوة، ويتفوق على كثير من الوسائل الأخرى بما فيها القضاء. هذه المكانة المرموقة التي يتبوؤها التحكيم دعمها ما يشوب الوسائل الأخرى من سلبيات كثيرة، جعلت الأطراف المتعاقدة يولون وجوههم عنها لصالح التحكيم. فهو طريق سريع لفض المنازعات ويولى اعتباراً لإرادة الأطراف حيث يمكن لهم اختيار قاضيهم وتحديد الإجراءات والقانون الواجب التطبيق بالإضافة إلى تمتعه بالسرية، وما يميز المحكم من خبرة وتخصص. وكانت الرغبة في التحرر من تطبيق القوانين الوطنية والقواعد أمراً دافعاً نحو اللجوء إليه، وكذلك ما يشوب قضاء الدولة الوطنية من بطئ في إجراءات التقاضي وتعددها وما قد يلجأ إليه الأطراف من مماطلة ولدد. ولقد انتشر استخدامه بشكله المتقدم منذ زمن ليس ببعيد خصوصاً في عقود الدولة ذات الطابع الدولي، وكان لإصرار الطرف الأجنبي ــ الطرف القوي ــ المتعاقد مع أحد الأشخاص المعنوية العامة على اللجوء إليه دور كبير في ذلك، حيث أنه يصر عليه بسبب ما يدعيه من عدم حيدة قضاء الدولة المتعاقدة، وتدخلها في شئونه، وقيامها بالدفع بحصانتها السيادية والقضائية اتجاهه، وترتب على ذلك أن إدراج شرط التحكيم في هذه العقود قد أصبح شرطاً مألوفاً تتضمنه غالبيتها. ولذلك ثار التساؤل عن مدى جواز التحكيم في عقود الدولة ذات الطابع الدولي؟ أو مدى جواز لجوء أحد الأشخاص المعنوية العامة في تلك العقود إليه؟ لقد حاولت الدولة والأشخاص المعنوية العامة التخلص من هذا الشرط الذي يثقل كاهلها عن طريق الدفع بتعارضه مع سيادتها أو أن قوانينها الوطنية لا تقره، ولكن هيهات أن يستمع لها أو يؤخذ بوجهة نظرها، وذلك لأنها الطرف الضعيف في هذه العلاقة التعاقدية، ولا شك أن الطرف القوي سيفرض إرادته ويملى شروطه على الطرف الضعيف ولا يجديها ما قد تتشبث به من اعتبارات سيادية وغيرها. حيث أن هناك اتجاهاً دولياً ظهر في قضاء المحاكم الدولية وقرارات التحكيم الدول يمنع على الأشخاص المعنوية العامة الدفع بعدم اللجوء إلى التحكيم الدولي بحجة أن تشريعها الداخلي لا يسمح لها باللجوء إليه ما دام أنها قد وافقت على إدراجه في العقد. وما أن فرغت الدولة من هذه المشكلة حتى ظهرت مشكلة أخرى أكثر تعقيداً من الأولى تمثلت في اختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع في تلك العقود. حيث قام بعض المحكمين الدوليين بتطبيق قوانين وقواعد تتناقض مع اختيار الأطراف الصريح له، كتطبيق المبادئ العامة للقانون أو المبادئ العامة في الأمم المتحضرة أو المتمدينة، وبرروا ذلك بحجج واهية تمثلت في تخلف قانون الدولة المتعاقدة أو عدم ملاءمته مع قوانين الدول المتحضرة أو المتمدينة!!