تنطلق هذه الدراسة في الرواية العربية على مشارف الألفية الثالثة، من الإجابة على سؤال هام مفاده البحث عن القيمة والدور اللذين تتمتع بهما الحياة.طرح هذا السؤال يندرج ضمن مجموعة من الآراء المستحدثة، المشككة في قيمة الأدب في الألفية الثالثة، ويندرج ضمن الآراء التي لا ترى للأدب دوراً في الحياة القادمة حيث الهيمنة للمعلوميات، وكأن الأد...
قراءة الكل
تنطلق هذه الدراسة في الرواية العربية على مشارف الألفية الثالثة، من الإجابة على سؤال هام مفاده البحث عن القيمة والدور اللذين تتمتع بهما الحياة.طرح هذا السؤال يندرج ضمن مجموعة من الآراء المستحدثة، المشككة في قيمة الأدب في الألفية الثالثة، ويندرج ضمن الآراء التي لا ترى للأدب دوراً في الحياة القادمة حيث الهيمنة للمعلوميات، وكأن الأدب لم يعد قادراً على خلق شبكات تواصلية، ولا يقدر على التعبير عن هموم الناس وهواجسهم. وأن الأدب القادم سيعاني من الحاجة إلى قارئ. وبالتالي ستبور سوقه وتكسد تجارته.إن تبادل الأدوار بين الوسائل والوسائط الرابطة بين الأوعاء والأشخاص والمجموعات البشرية واللغوية أمر مسلم به. لكن هذه الدراسة التطبيقية على الأدب المكتوب في النصف الثاني من العقد التسعيني -مختلف الأعمار والتجارب- ستحاول استجلاء ردود فعل الأدباء والمبدعين تجاه المزاعم التي تقلل من شأن الأدب وتكاد تقتله وتلقي به خارج مدارات الألفية الثالثة كما قذفت قبل ذلك نظريات في الأدب بدور التاريخ، وبدور المؤلف، وكما قذف فوكوياما بعيداً بالجدل والتطور وأدخل العالم في سكون موات.وقد ركز هذا الكتاب على رواية (سيدة المقام) للمبدع واسيني الأعرج في تعريفه بالرؤية الفجائعية. ويمكن تحديدها في هذه المقدمة بما يلي: رؤية المبدع إلى الذات والآخر والعالم. رؤية ووعي إبداعي. طريقة في الكتابة تتميز بأساليب متماثلة وشاملة في الأعمال الروائية المدروسة، كالتفجع، والتدفق السردي، وتداخل الأزمنة وضيقها.يبقى أن نشير، بعيداً عن خطأ التعميم والتعمية، أن الروايات المدروسةتختلف درجة وعيها بالأزمة وحدتها، كما أن الروايات سلكت طرقاً مختلفة: مثلاً هناك روايات عمدت رأساً إلى البحث عن مواطن الحماية ببحثها الحثيث والاستيفاء بظلالها، وفي ذلك شعور بالحماية من الضياع والغربة والعزلة والوحدة، وهروب من السقوط في التيه، كما نجد في رواية (جنوب الروح) لمحمد الأشعري. وروايات اتخذت لنفسها مساراً آخر لا يعود إلى الجذور بل يحاول بث القيم، قيم الائتلاف والوحدة والدفء العائلي والإحساس الوطني والقومي في الجيل اللاحق. أي أن هذا النمط من الروايات يتقدم محتمياً بالآتي، وهو ما حاولنا الوقوف عنده في رواية (الميراث) لسحر خليفة. في هذا النمط الكتابي تتجلى قضية الهوية بكونها ائتلافاً ضمن الاختلاف، فلا هوية مؤتلفة فحسب، بل وجودها الفعلي كائن في اختلافها العقائدي (دين وأفكار ومبادئ سياسية...). وتطرح رواية (الميراث) إلى جانب ذلك قضايا اجتماعية وسياسية متصلة بالمرأة. والمرأة بؤرة أخرى من التشظي ومن الشعور باللاجدوى.في (يقين العطش) يعود بنا إدوار الخراط إلى الاحتماء بالذات، بالحب، باللغة. لكن الفاجعة تبدو أكثر تجلياً من خلال التكرار والتماثل في الخطاب كالسرد الذاتي الذي يحفر بعنف في مخزون الذات، ذاكرة وعواطف. أما من حيث القضية المتبناة فصراع الطوائف المفتعل يلقي بالذات في جحيم حارق ويزرع الذات بالألغام الموقوتة. في هذه الحال يقترح إدوار الخراط الاحتماء بالتاريخ والعودة بالقارئ إلى العلاقات السائدة قبل المرحلة المتوترة. ففي الماضي كان الانسجام طابعاً أساسياً يسود العلاقات بين الأقباط والمسلمين وبتجاوز هذه الحالة من التشظي والضياع يحتمي الكاتب بالتاريخ/بالماضي ويقترح عليما أمين معلوف في (سلالم الشرق) إمكانية الزواج والتصاهر كحل للحم التشظي الذاتي، وسكون الهوية وتوقفها عن الاستمرار، في حال الصراع العرقي، لكن في حال الصراع القيمي يثبت منجزه عن المواجهة واستسلامه داخل المصحة الخاصة بالأمراض العقلية والعصبية، واحتماء الذات بالجنون والانعزال والوحدة. وفي رواية (تباريح الوقائع والجنون) يكتب إدوار الخراط بفاجعة أقوى تصل حد الهبوط النفسي، والانتحار الرمزي.تبقى رواية (سيدة المقام) لواسيني الأعرج أفضل مثل لدراسة الفاجعة بكل مستوياتها المذكورة أعلاه.