نظرية العقد الإداري قضائية المنشأ، إذ أنشأها وأرسى مبادئها- كبقية نظريات ومبادئ القانون الإداري الأساسية- مجلس الدولة الفرنسي؛ فلم يتدخل المشرع إلا لاحقًا في هذا المجال وغالبًا تقنينًا لمبادئ وقواعد بالأصل قضائية.وفي إعماله للنظرية، جرى مجلس الدولة المصري، بصفة عامة، على نفس الأسس والمبادئ التي وضعها قرينه الفرنسي. ولكنه، وبرغم ...
قراءة الكل
نظرية العقد الإداري قضائية المنشأ، إذ أنشأها وأرسى مبادئها- كبقية نظريات ومبادئ القانون الإداري الأساسية- مجلس الدولة الفرنسي؛ فلم يتدخل المشرع إلا لاحقًا في هذا المجال وغالبًا تقنينًا لمبادئ وقواعد بالأصل قضائية.وفي إعماله للنظرية، جرى مجلس الدولة المصري، بصفة عامة، على نفس الأسس والمبادئ التي وضعها قرينه الفرنسي. ولكنه، وبرغم التأخر الزمني للعمل بهذه النظرية أمامه تبعًا لتأخر نشأته ذاته، كان أسرع من القضاء الإداري الفرنسي في الاستقرار على معيار ثابت ومحدد لتحديد طبيعة العقود الإدارية وتمييزها عن عقود القانون الخاص، بينما تضاربت الحلول القضائية في فرنسا في فترة من الفترات انعكاسًا لتأرجح أساس القانون الإداري بين نظريتي المرافق العامة والسلطة العامة، وصدى للجدل والانقسام الفقهي الذي صاحب تطور نظرية المرافق العامة بما يتعدى مفهومها الإداري التقليدي ليصل بها إلى مجالات صناعية وتجارية ومهنية كانت من قبل غريبة عنها ومن ثم إلى ما سمي بأزمة المرافق العامة.والعقد الإداري تفرقه طبيعته عن القرار الإداري، ولكن ستلاقيه بالعقد المدني جوهرًا، وإن تميز عنه بنظام خاص تتفاوت بظله مراكز أطرافه. ودعواه، كما أشرنا وسنرى، لدى القاضي الإداري نظرها، بغير ما استبعاد مع ذلك لإمكانية التحكيم: فالعقد الإداري يفترق عن القرار الإداري- وكلاهما عمل قانوني- في كونه تعبيرًا عن توافق وتلاقي إرادات الموقعين عليه. ولكن "العقود الإدارية، باعتبارها تتعلق بتسيير مرفق عام، وضع لها المشرع نظامًا خاصًا في إبرامها وتنفيذها... ضمانًا لحسن سير المرفق العام بانتظام واضطراد". وهذا النظام الخاص للعقد الإداري مفروض إذن بطبيعة المصالح التي يرمى إلى تحقيقها وتفاوت مراكز أطرافه من منظورها، وبما خلاصته تميزًا عن نظام العقد المدني إبرامًا وتفسيرًا وتنفيذًا.وعلى هذا جرت خطة العرض في هذا الكتاب وفقًا لتقسيمه إلى أربعة أبواب كالتالي: (الباب الأول: مقومات العقد الإداري، الباب الثاني: وسائل وإجراءات إبرام العقود الإدارية، الباب الثالث: آثار وانقضاء العقود الإدارية، الباب الرابع: صور من العقود الإدارية).