الحسن الثاني ملك التحدي

يتفق معظم الفلاسفة والمؤرخين على أن الإنسان هم الذي يصنع التاريخ بتضحياته وتحدياته المستمرة، ودفعت إرادة البناء النظري، هؤلاء المفكرين إلي تركيب وتأليف أنساق فكرية متعددة في هذا الاتجاه رسختهم - في الغالب - في مستوى التجريد والتنظير وحده، مما حال دون توضيح الطريقة التي يمكن للإنسان أن يغير بها وجه التاريخ، فخلق ذلك فراغا وهوة في المسيرة الفكرية للإنسانية خلال تاريخها الطويل بين متسوى التنظير ومستوى الممارسة، من هنا جاء «كتاب التحدي» مؤلف صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني، لسد هذا الفراغ في أبدع صورة وأحسنها ليبرز بكل وصوح التكامل والتداخل بين التنظير والتطبيق.والتحدي لغة : مصدر تحدى الرجل أخاه إذا باراه ونازعه الغلبة، وأصله من الحُديَّا، وهي الغلبة.تقول العرب أنا حُدَيَّاكَ في هذا الأمر، أي ابرز لي فيه أغلبك، قال عمرو بن كلثوم :حُدَيَّا الناس كلِّهم جميعا مصارعة بنيهم عن بنيناثم اتسع معنى التحدي ليدل على إعلان التفوق على الخصم مع مطالبته بأن يبذل أقصى الجهد في دفع هذا التفوق والتأكيد أنه لن ينجح في ذلك. وأغلب ما ترد الكلمة في كتب التراث متعلقة بإعجاز القرآن الكريم الذي يوصف بأنه قد (تحدى العرب ببلاغته) أي أعلن عجزهم عن الإتيان بمثله، وذلك في آيات متعددة تعرف عند المفسرين بآيات التحدي منها قوله تعالى في سورة البقرة : ( فإن كنتم في شك مم نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدادكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين). ومنها كذلك قوله تعالى في سورة الإسراء (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا).أما اليوم وفي الاستعمال المعاصر، فقد تحولت دلالة الكلمة بالتدريج، تحت تأثير الترجمة، لتدل على كل صعوبة عظيمة تتطلب من المتحدي بها بذل جهد بالغ للتفوق عليها.ولذلك نسمع الحديث عن التحديات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعسكرية والسياسية، وهو معنى الصعوبة العظيمة التي تتطلب جهدا كبيرا....