نبذة النيل والفرات:المعري عبقري كتب عنه كثيرون، ولكنهم اختلفوا فيه اختلافاً أدى إلى تناقض الرأي، وصراع الفكر، وهكذا تتصارع الأفكار والآراء في العبقرية النادرة التي تترك بصماتها على صفحات التاريخ، فالمعري لا يقدر أحد أن يغمطه هذه العبقرية التي منحها الله إياه وألهمه، وهو فيلسوف برهن المحبسين اللذين كبلاه وقيداه، ولكنه لا يتقوقع ب...
قراءة الكل
نبذة النيل والفرات:المعري عبقري كتب عنه كثيرون، ولكنهم اختلفوا فيه اختلافاً أدى إلى تناقض الرأي، وصراع الفكر، وهكذا تتصارع الأفكار والآراء في العبقرية النادرة التي تترك بصماتها على صفحات التاريخ، فالمعري لا يقدر أحد أن يغمطه هذه العبقرية التي منحها الله إياه وألهمه، وهو فيلسوف برهن المحبسين اللذين كبلاه وقيداه، ولكنه لا يتقوقع بين جدران هذين المحبسين اللذين كبلاه وقيداه، ولكنه لا يتقوقع بين جدران هذين المحبسين إنما روحه تنطلق في أفق رحب، وفي سماء شفافة تسطع بكواكبها وأنوارها وشموسها.فانطلاقته الشعرية التي حطمت القيود، وسبحت بروح مجنحة على سماء الواقع تشرب من كؤوس معارف ترسمها فكرة في حرف أخضر يزرع الدرب، وينبت الورود للأجيال، وسبق أن أشرنا إلى تناقض المفكرين في شخصية المعري وشعره، وافتراقهم افتراقاً بعيداً فمنذ زمن قديم كان التاريخ مولعاً بالمعري، واختلف المؤرخون القدامى فمنهم من صوره ملحداً كمعجم الأدباء، ومنهم من صوره فيلسوفاً مسلماً لم يصل الباحثون لفلسفته، ولم يفهم آرائه، وفي عصرنا الحديث القرن العشرين والواحد والعشرين ذهب بعض المفكرين إلى أنه ظنت بإسلامه الظنون كالأستاذ العقاد في عبقرية الإمام علي، أما الدكتور طه حسين في كتاب تجديد ذكرى أبي العلاء ذهب إلى أنه فيلسوف، ولم يفهمه الناقدون، وليس في شعره ما يؤثر على عقيدته، وهناك الإمام محمد حسين كاشف الغطاء يراه مسلماً شيعياً في كتاب أصل وأصولها، وهناك رأي يعيش في الوسطية يقول إنه شاك كالعلامة الأستاذ الشيخ عبد الحميد الخنيزي (الخطي) في مقاله الذي طبع في كتاب خواطر الخطي، كما كتب عنه العلامة الأستاذ الكبير الشيخ عبد الله العلايلي المعري ذلك المجهول.وهذه الآراء تتناقض وتتباين، ولماذا أصبحت هذه الشخصية تزن بهذا الميزان الفكري، وتتناقض فيها العباقرة والمفكرون لعظم عبقريته، أم هناك سر خفي في شعر هذه العبقرية كل يقرأه، ويفسر حسب رأيه.عن هذه التساؤلات يجيب الكتاب الذي بين يدينا باحثاً في ديوان لزوم ما لا يلزم (اللزوميات) وفي الكتب الأخرى الصادرة عنه متوقفاً بداية عند حياة المعري ونسبه، المفارقات في شعره وبواعثها، من ثم اعتنى بإظهار صور شعرية تبرهن على أن المعري هو الباحث الشاك الذي تهافت في صورة الشعرية، وتناقض كل التناقض، محللاً هذه الصور ومحللاً إياها تحليلاً دراسياً.