الملكة عالية بنت الملك علي بن الملك حسين شريف مكة، وملك الحجاز سابقاً، وهي سليلة الأسرة الهاشمية، المنحدرة من الدوحة المحمدية الشريفة، التي تتصل بجدها الإمام الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه. تلك الأسرة التي حكمت في الحجاز حتى عام 1926، وفي الأردن حتى وقتنا الحاضر، أما في العراق، فقد حكمت ما يقارب الأربعين عاماً، ما ...
قراءة الكل
الملكة عالية بنت الملك علي بن الملك حسين شريف مكة، وملك الحجاز سابقاً، وهي سليلة الأسرة الهاشمية، المنحدرة من الدوحة المحمدية الشريفة، التي تتصل بجدها الإمام الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه. تلك الأسرة التي حكمت في الحجاز حتى عام 1926، وفي الأردن حتى وقتنا الحاضر، أما في العراق، فقد حكمت ما يقارب الأربعين عاماً، ما بين عام 1921-1958. فهي ابنة ملك هو الملك علي، وحفيدة ملك هو الملك حسين، وزوجة ملك هو الملك غازي، وأم ملك هو الملك فيصل الثاني، وأظنها تكون الملكة الهاشمية الأولى في تاريخ العرب.لقد واكبت الملكة عالية الأيام الصعبة التي واجهت أسرتها منذ قيام الثورة العربية الكبرى عام 1916، بقيادة جدها الشريف حسين، ضد الدولة العثمانية، لقاء منحه استقلال العرب من قبل البريطانيين، والتي انتهت بانتصاره، ومروراً بتنصل البريطانيين عن وعدهم الذي قطعوه للشريف حسين، بشأن استقلال ووحدة العرب، ومن ثم تنحيته عن العرب، ومن ثم تنحيته عن العرش، وإبعاده منفياً إلى قبرص، والمجيء بوالدها الأمير علي ليكون ملكاً من بعده، لكنه لم يستمر طويلاً هو الآخر، فقد تم إزاحته عن العرش أيضاً عام 1926، فتشردت مع أفراد أسرتها متنقلة ما بين عمان واستنبول، لتستقر أخيراً في بغداد، بعد أن تزوجها ابن عمها ملك العراق، الملك غازي أوائل عام 1934. ومنذ تلك الساعة، حملت لقلب (ملكة) فكانت خير عون لزوجها الملك الشاب، تقدم له المشورة والنصح، وتحذره من غدر البريطانيين ودهائهم، لكن ذلك ذهب هباء، فقد سقط زوجها الملك صريعاً عام 1939، بحادث سيارة مدبر، أشارت أصابع الإتهام إليهم، فانكفأت الملكة على نفسها، وتفرغت لرعاية ولدها، ولي العهد، الأمير الصغير فيصل، الذي ينتظره عرش العراق، حتى يحين موعد تتويجه عندما يبلغ سن الرشد، فسعت لتنصيب شقيقها الأمير عبد الإله وصياً على العرش، لحمايته من الطامعين، ونجحت في مسعاها، ثم كان موقفها الحازم من حركة مايس عام 1941، التي قادها العقداء الأربعة ضد الوجود البريطاني في العراق، الذي وصفه العراقيون بالسلب، أما عند وقوع وثبة كانون الثاني عام 1948، فقد كانت تلح على شقيقها الوصي ليرفض المعاهدة التي عقدتها الحكومة العراقية مع بريطانيا، في تلك السنة، عندما علمت بأنباء الدماء التي سالت من المتظاهرين في شوارع بغداد، وازدياد أعداد القتلى والجرحى في المواجهة التي وقعت بين أفراد الشرطة والمتظاهرين الغاضبين على المعاهدة، وكل تلك الجهود تدخل في إطار الدفاع عن عرش ولدها الـ"ملك الصغير" والمحافظة عليه من المخاطر التي باتت تهدده، وكان لها ما أرادته.إن الملكة عالية شخصية نادرة اتسمت بالذكاء الحاد والعقل الراجح، صقلتها التجارب والمحن القاسية التي عاشتها طوال حياتها، ولو قدر لها أن تلج باب السياسة لكان لها شأن كبير فيها. لقد توفيت الملكة عالية من مرض خبيث أصابها وهي في أوج شبابها، دون أن تشهد ساعة تتويج ولدها الملك فيصل الثاني ملكاً على العراق. وهي أمنية ظلت سنوات طويلة تنتظرها بفارغ الصبر، لكن الأقدار شاءت عكس ما كانت تتمناه الملكة عالية، فقد توفيت أواخر عام 1950، ودفنت ببغداد في المقبرة الملكية بجوار والدها الملك علي، وعمها الملك فيصل الأول، وزوجها الصريع الملك غازي.جاء هذا البحث ليسلط الضوء على حياة الملكة عالية المليئة بالإثارة والمفاجآت، ودورها الواضح في إسداء النصح والإرشاد إلى زوجها الشاب، وتأثيرها الكبير في الحياة الاجتماعية العراقية، التي كانت تشهد تخلفاً واضحاً، وكانت الملكة تضع بصماتها عليه، أما دورها السياسي، فقد كان واضحاً حتى وفاتها، وفي كل ذلك كانت توجه السياسة لخدمة العرش، وحمايته من غدر السياسيين، الذين كانوا يتزاحمون للوصول إلى السلطة، لكي يتصدروا الصفوف على حساب العرش. إن المواهب التي منحها الله للمكلة، والإمكانيات الفذة، والمحن التي مرت بها طوال حياتها، زادتها خبرة، وحاولت توظيفها لخدمة العرش، واعترف الكثير من السياسيين والمقربين منها بتلك المواهب التي تمتعت بها، وصرحوا بذلك منذ وقت مبكر.لقد تضمن البحث على مقدمة، وثلاثة فصول، وخاتمة، ومجموعة من الوثائق والصور.