طَمَحْتُ إلى تطوير واقع تعليم علم النحو، تَحَقُّقًا بحقيقة وجود النحو في الكلام العربي، وإيمانا بأن علم المعاني من علم النحو، وسعيا إلى مستقبل علم النحو، وحرصا على تأليف قلوب طلاب علم النحو؛ فَتَخَيَّلْتُ مجلسًا من مجالس العلماء، يجتمع فيه ثلاثة تلامذة على شيخهم: أحدهم (أَنَس) واقف عند نص كلام النحويين القدماء، والثالث (بَرَاء) ...
قراءة الكل
طَمَحْتُ إلى تطوير واقع تعليم علم النحو، تَحَقُّقًا بحقيقة وجود النحو في الكلام العربي، وإيمانا بأن علم المعاني من علم النحو، وسعيا إلى مستقبل علم النحو، وحرصا على تأليف قلوب طلاب علم النحو؛ فَتَخَيَّلْتُ مجلسًا من مجالس العلماء، يجتمع فيه ثلاثة تلامذة على شيخهم: أحدهم (أَنَس) واقف عند نص كلام النحويين القدماء، والثالث (بَرَاء) مشغول عن ذلك بمنازعه الطريفة، والثاني (أَيْمَن) وسيط بين الأول والثالث، فأما شيخهم (أبو مِذْوَد) فمَجمع المشارب.ثم أدرت بينهم الحوار في ثمانية مجالس على ثماني مسائل: أولاها اشْتِغال الْعامِلِ عَنِ الْمَعْمولِ، والثانية تَعَدّي الْفِعْلِ وَلُزومه، والثالثة التَّنازُع في الْعَمَلِ، والرابعة الْمَفْعول الْمُطْلَقِ، والخامسة الْمَفْعول لَهُ، والسادسة الْمَفْعول فيهِ (الظَّرْف)، والسابعة الْمَفْعول مَعَهُ، والثامنة الِاسْتِثْناء- بحيث يبدأ الحوارَ أولُ التلامذة (أَنَس) بتلاوة نص نحوي قديم وكأنه قبس من نور الذكر الحكيم؛ فيعالج الثاني (أَيْمَن) التأتي به إلى الثالث (بَراء) المشغول بما يتداوله معاصروه مِنْ حوله، حتى إذا ما فرغوا وظنوا أنهم أحسنوا، استدرك عليهم شيخهم (أبو مِذْوَد) بتنبيههم على ما لم يتنبهوا إليه، من تنزيل مسائل المعاني على مسائل النحو.وقد رأيت في ذلك وجها من المنادمة (المجالسة على الشراب)، ولكن على الفن والعلم العربيين، ولم تكن المنادمة العربية القديمة تخلو من مسائل الفن والعلم! ومن أدب المنادمة ألا يخدع نَديمٌ عن مَآلها (عاقبتها) نَديمًا.