تحتل البحار 73% من سطح الكرة الأرضية، إذ تبلغ مساحتها 350 مليون كيلو متر مربع من مجموع مساحة الكرة الأرضية البالغة 500 مليون كيلو متر مربع. ومعلوم أن الحياة على الكرة الأرضية بدأت في البحر، وأن الحيوانات المتطورة اليوم تجد أصولها في فترات ما قبل التاريخ في البحار، وأن دم الأسماك والزواحف والطيور والثدييات والإنسان نفسه يحتوي على...
قراءة الكل
تحتل البحار 73% من سطح الكرة الأرضية، إذ تبلغ مساحتها 350 مليون كيلو متر مربع من مجموع مساحة الكرة الأرضية البالغة 500 مليون كيلو متر مربع. ومعلوم أن الحياة على الكرة الأرضية بدأت في البحر، وأن الحيوانات المتطورة اليوم تجد أصولها في فترات ما قبل التاريخ في البحار، وأن دم الأسماك والزواحف والطيور والثدييات والإنسان نفسه يحتوي على تشابه كبير مع مياه البحر، وهذا يؤكد الحياة المشتركة بين الإنسان والبحر. ومنذ القدم استخدم الإنسان البحر. كانت البحار الوسيلة الأولى لتبادل التجارة بين الدول منذ القدم، وعن طريق البحار انتقلت الحضارات بين وادي الرافدين ووادي النيل والصين والهند، ثم من أوربا إلى بقية أرجاء المعمورة. وتوفر البحار وسيلة سهلة ورخيصة للتنقل، ولهذا فهي تتحمل العبء الرئيسي في النقل التجاري الدولي، فبعد أن كانت حمولة السفن التجارية 70 مليون طن متري في عام 1939، ارتفعت إلى 130 مليون طن متري عام 1960 وإلى 374.7 مليون طن متري عام 1978، وبلغت 6.76 مليون طن عام 2004. وأن حجم البضائع المنقولة في البحر قد ازداد بنفس النسب. إضافة إلى أهمية البحار في الحياة الاقتصادية نظراً لاحتوائها على ثروات حيوانية ومعدنية هائلة، ونظراً لإمكانات توليد الطاقة منها وإجراء تجارب السلاح في مجالاتها. ويقدر خبراء الولايات المتحدة الأمريكية كمية المعادن المعروفة في قيعان البحار والمحيطات بالمقارنة مع ما هو معروف منها على اليابسة حسب معدل الاستهلاك العالمي في سنة 1960، بأنه يكفي البشرية لآلاف السنين. فإذا كان المعروف من الألمنيوم على اليابسة يكفي لاستهلاك مئة سنة، فإن المعروف في قيعان البحار والمحيطات من ذلك المعدن يكفي الاستهلاك العالمي عشرين ألف سنة، ويقدر بحوالي 48 بليون طن. ومن النحاس 7.9 بليون طن ويكفي الاستهلاك العالمي 200 ألف سنة، مقابل 40 سنة للمخزون الأرضي. ومن المنغنيز 358 بليون طن، وهذا يكفي الاستهلاك العالمي 400 ألف سنة مقابل 100 سنة للمخزون الأرضي. ومن النيكل 14.7 بليون طن ويكفي الاستهلاك العالمي 200 ألف سنة مقابل 40 سنة للمخزون الأرضي. لقد اهتم المجتمع الدولي بتنظيم استخدام البحار منذ بداية العلاقات بين الدول، واستمر هذا الاهتمام يتعاظم تدريجياً. وأخذ عدد القواعد القانونية الدولية، العرفية والاتفاقية يتزايد باستمرار، حتى وصلنا عصر التنظيم الدولي الحديث الذي أولى هذا الميدان اهتماماً خاصاً. وتعتبر مؤتمرات قانون البحار التي نظمتها الأمم المتحدة من أوسع وأهم المؤتمرات الدولية منذ تأسيس المنظمة العالمية حتى الوقت الحاضر، خاصة المؤتمر الثالث لقانون البحار الذي تمخض عن أكبر اتفاقية دولية عقدت في إطار الأمم المتحدة. ولم يكن لدول العالم الثالث في السابق دور في تطوير هذا القانون نظراً لمكانتها المحدودة في العلاقات الدولية، إذ كان (المجتمع الدولي) أوروبياً تقريباً حتى القرن التاسع عشر. ثم أخذت هذه الدول في ولوج ميدان الاستقلال تدريجياً، وأخذ عددها يتعاظم في العلاقات الدولية وفي المساهمة في تطوير القانون الدولي عموماً وقانون البحار بشكل خاص، حتى أنها شكلت الأغلبية العظمى في المؤتمر الثالث لقانون البحار. ولم يكن حال الدول العربية يختلف عن باقي دول العالم الثالث، حيث لم يحضر منها المؤتمر الأول لقانون البحار سوى عدد محدود، في حين شاركت جميعها في المؤتمر الثالث. ولقد كان لي شرف عضوية الوفد العراقي إلى المؤتمر الثالث لقانون البحار وتوقيع الاتفاقية الجديدة باسم الجمهورية العراقية، ثم تمثيل العراق في اللجنة التحضيرية للسلطة الدولية لقيعان البحار والمحكمة الدولية لقانون البحار، بجانب قيامي بتدريس هذا الموضوع في كلية القانون في جامعة بغداد لعدة سنوات. إضافة إلى عملي في وزارة الخارجية العراقية. وكل هذا دفعني إلى التفكير بوضع خبرتي المتواضعة هذه بين يدي القارئ العربي الكريم، وأن أقدم له عملاً عسى أن يفيد في إغناء المكتبة القانونية العربية. وقد حرصت في ذلك على التقيد بمنهج البحث العلمي السليم، مستفيداً من الوثائق غير المنشورة ومن المراجع العلمية المتوفرة في مكتبات الأمم المتحدة والجامعات الأجنبية والعربية. ولذا فكرت في البداية أن أقدم مؤلفاً شاملاً لكل مواضيع القانون الدولي للبحار، إلا أني وجدت أن ذلك يحتاج إلى وقت طويل قد يفوُت علي فرصة نشر المؤلف، مما جعلني أفضل تقديم مواضيع قانون البحار في مؤلفات متتالية بدأت بمؤلف عن مناطق الولاية الوطنية، صدر عام 1990، تبعه مؤلف آخر عن البحر العالمي صدر عام 2000. وقد شعرت الآن أن هناك حاجة لإعادة طبع الجزئين في مؤلف واحد، حيث بادرت دار النشر (دار الثقافة) بالموافقة على طبعه ونشره بعد أن أضفت إليه ما تيسّر من معلومات حديثة، كما أضفت إليه فصلاً جديداً عن المنطقة الدولية لقيعان البحار على أمل أن أقدم مؤلفاً موسعاً عن قانون البحار وفق آخر التطورات، عسى أن يكون عملي هذا إضافة مهمة للمكتبة القانونية الدولية. ولا بد لي من التنويه هنا إلى أن التطورات القانونية التي طرأت على مواضيع قانون البحار محدودة جداً. ومنذ نهاية الثمانينيات من القرن الماضي لم يصدر عن المجتمع الدولي إلا القليل في هذا الصدد، ويكاد يقتصر على تقارير الأمين العام للأمم المتحدة، وبعض القرارات الصادرة عن الجمعية العامة أو عن السلطة الدولية لقيعان البحار. ولا بد لي أخيراً أن أتقدم بجزيل الشكر والامتنان لكل من ساعد في إنجاز هذا العمل. والله من وراء القصد وهو نعم المولى ونعم المعين